وقوله:(فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) أي: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته (بَيَاتًا) أي: ليلا (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) من القيلولة، وهي: الاستراحة وسط النهار. وكلا الوقتين وقت غَفْلة ولَهْو (١) كما قال [تعالى](٢) ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأعراف: ٩٧، ٩٨]. وقال: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٥ - ٤٧].
وقوله:(فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) أي: فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم، وأنهم حقيقون بهذا. كما قال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا] خَامِدِينَ﴾ (٣)[الأنبياء: ١١ - ١٥].
وقال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله ﷺ من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم"، حدثنا بذلك ابن حُمَيْد، حدثنا جرير، عن أبي سِنان، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزرّاد قال: قال عبد الله بن مسعود [﵁](٤) قال رسول الله ﷺ: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم". قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)(٥).
وقوله:(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) الآية، كقوله [تعالى](٦) ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] وقوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩] فالرَّبُّ ﵎ يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ (٧) رسالاته؛ ولهذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية:(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
وقال ابن مَرْدُويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكنْدي، حدثنا المحاربي، عن لَيْث، عن نافع، عن ابن عمر [﵄](٨) قال: قال رسول الله ﷺ: "كلكم رَاعٍ وكلكم مسئول عن رَعِيَّتِهِ، فالإمام يُسْأل عن الرجل (٩)
(١) في ك: "لهو وغفلة". (٢) زيادة من أ. (٣) زيادة من ك، د، أ، وفي هـ "إلى قوله". (٤) زيادة من أ. (٥) تفسير الطبري (١٢/ ٣٠٤). (٦) زيادة من ك، م، أ. (٧) في ك، م: "بلاغ". (٨) زيادة من أ. (٩) في ك: "عن رعيته".