يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى، أي: يشقه في الثرى فتنبت الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب، والثمار على اختلاف أشكالها وألوانها وطعومها من النوى؛ ولهذا فسر [قوله](١)(فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) بقوله (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي: يخرج النبات الحي من الحب والنوى، الذي هو كالجماد الميت، كما قال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * [وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ] وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٢)﴾ [يس: ٣٣ - ٣٦].
وقوله:(وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) معطوف على (فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى) ثم فسره ثم عطف عليه قوله: (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ)
وقد عبروا عن هذا [وهذا](٣) بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى، فمن قائل: يخرج الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، من قائل: يخرج الولد الصالح من الكافر، والكافر من الصالح، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها.
ثم قال:(ذَلِكُمُ اللَّهُ) أي: فاعل هذه الأشياء هو الله وحده لا شريك له (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي: فكيف تصرفون من الحق وتعدلون عنه إلى الباطل فتعبدون مع الله غيره.
وقوله:(فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) أي: خالق الضياء والظلام، كما قال في أول السورة: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح، فيضيء الوجود، ويستنير الأفق، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بدآدئه (٤) وظلام رواقه، ويجيء النهار بضيائه وإشراقه، كما قال [تعالى](٥) ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الأعراف: ٥٤]، فبين تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه، فذكر أنه فالق الإصباح وقابل ذلك بقوله:(وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) أي: ساجيا مظلما تسكن فيه الأشياء، كما قال: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى: ١، ٢]، وقال ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ١، ٢]، وقال ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشمس: ٣، ٤].
وقال صهيب الرومي [﵁](٦) لامرأته وقد عاتبته في كثرة سهره: إن الله جعل الليل سكنا إلا لصهيب، إن صهيبا إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طار نومه، رواه ابن أبي حاتم.
وقوله:(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) أي: يجريان بحساب مقنن مقدر، لا يتغير ولا يضطرب، بل كل منهما له منازل يسلكها في الصيف والشتاء، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا، كما قال [تعالى](٧) ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ [لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ](٨)﴾
(١) زيادة من م. (٢) زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله". (٣) زيادة من م، أ. (٤) في أ: "بذاته". (٥) زيادة من أ. (٦) زيادة من أ. (٧) زيادة من أ. (٨) زيادة من أ.