الفطرة" (١) وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار؛ أن رسول الله ﷺ قال: "قال الله: إني خلقت عبادي حنفاء" (٢) وقال الله في كتابه العزيز: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] ومعناه على أحد القولين، كقوله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ كما سيأتي بيانه.
فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل -الذي جعله الله ﴿أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠] ناظرا في هذا المقام؟! بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة، والسجية المستقيمة بعد رسول الله ﷺ بلا شك ولا ريب. ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرًا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا قوله تعالى (٣)
يقول تعالى: وجادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد، وناظروه بشبه من القول، قال (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ) أي: تجادلونني في أمر الله وأنه لا إله إلا هو، وقد بصرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه؟ فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة؟!
وقوله:(وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) أي: ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أن هذه الآلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئا، وأنا لا أخافها، ولا أباليها، فإن كان لها صنع، فكيدوني بها [جميعا](٤) ولا تنظرون، بل عاجلوني بذلك.
وقوله:(إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) استثناء منقطع. أي لا يضر ولا ينفع إلا الله، ﷿.
(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) أي: أحاط علمه بجميع الأشياء، فلا تخفى (٥) عليه خافية.
(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أي: فيما بينته (٦) لكم فتعتبرون أن هذه الآلهة باطلة، فتزجروا (٧) عن عبادتها؟ وهذه الحجة نظير ما احتج به نبي الله هود، ﵇، على قومه عاد، فيما قص عنهم في كتابه،
(١) صحيح البخاري برقم (١٣٨٥) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٨). (٢) صحيح مسلم برقم (٢٨٦٥). (٣) في أ: "﷿". (٤) زيادة من م. (٥) في أ: "فلا يخفى". (٦) في أ: "فيما بينه". (٧) في أ: "فتنزجروا".