سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: خلق الله النون -وهي الدواة -وخلق الألواح، فكتب فيها أمر الدنيا حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق، أو رزق حلال أو حرام، أو عمل بر أو فجور (١) وقرأ هذه الآية: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا) إلى آخر الآية.
يخبر تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر (٢) كما قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا](٣)﴾ [آل عمران: ٥٥]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر: ٤٢]، فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال:(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) أي: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار. وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم، في حال سكونهم وفي حال حركتهم، كما قال: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠]، وكما قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ أي: في الليل ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣] أي: في النهار، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: ١٠، ١١]؛؛ ولهذا قال هاهنا:(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) أي: ما كسبتم بالنهار (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أي: في النهار. قاله مجاهد، وقتادة، والسُّدِّي.
وقال ابن جريج (٤) عن عبد الله بن كثير: أي في المنام.
والأول أظهر. وقد روى ابن مَرْدُوَيه بسنده (٥) عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال:"مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه، ويُرَد إليه. فإن أذن الله في قبض روحه قبضه، وإلا رد إليه"، فذلك قوله:(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ)
وقوله (لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى) يعني به: أجل كل واحد من الناس، (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي: يوم القيامة، (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ)(٦) أي: فيخبركم (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: ويجزيكم على ذلك إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
(١) في م: "بحر". (٢) في أ: "الصغير". (٣) زيادة من أ. (٤) في أ: "جرير". (٥) ورواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور (٣/ ٢٨٠) وفي إسناده انقطاع بين الضحاك وابن عباس. (٦) في أ: "فينبئكم" وهو خطأ.