وقال لهم، إذ عاين الامر واضحا … برئت إليكم ما بي اليوم من صبر
فاني أرى مالا ترون وإنني … أخاف عقاب الله والله ذو قسر
فقدمهم للحين حتى تورطوا … وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر
فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا … ثلاث مئين كالمسدمة الزهر
وفينا جنود الله حين يمدنا … بهم في مقام ثم مستوضح الذكر
فشد بهم جبريل تحت لوائنا … لدى مأزق فيه مناياهم تجري
وقد ذكر ابن إسحاق جوابها من الحارث بن هشام تركناها عمدا. وقال علي بن أبي طالب وأنكرها ابن هشام:
ألم تر أن الله أبلى رسوله … بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما أنزل الكفار دار مذلة … فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل
فأمسى رسول الله قد عز نصره … وكان رسول الله أرسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل … مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا … فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم … فزادهم ذو العرش خبلا على خبل (١)
وأمكن منهم يوم بدر رسوله … وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم بيض خفاف عصوا بها … وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشئ ذي حمية … صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم … تجود بإسبال الرشاش وبالوبل
نوائح تنعي عتبة الغي وابنه … وشيبة تنعاه وتنعي أبا جهل
وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم … مسلبة حرى مبينة الثكل
ثوى منهم في بئر بدر عصابة … ذوو نجدات في الحروب وفي المحل
دعا الغي منهم من دعا فأجابه … وللغي أسباب مرمقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل … عن الشغب والعدوان في أسفل السفل (٢)
وقد ذكر ابن إسحاق نقيضها من الحارث أيضا تركناها قصدا وقال كعب بن مالك:
عجبت لأمر الله والله قادر … على ما أراد ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقي معشرا … بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
(١) الخبل: الفساد.
(٢) في ابن هشام: في أشغل الشغل.