للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالنظر في الأساس الذي بنى عليه العلماء ذلك التقسيم يتبين أنه مقدار الحرج الذي يقع على الإنسان بسبب فقد المصلحة أو وقوع المفسدة؟ فما فوت الحياة أو أفسد نظامها كان متعلقاً برتبة الضروريات، وما أدى إلى حرج أقل من ذلك أو مشقة لاحقة كان متعلقاً برتبة الحاجيات، وما لم يترتب عليه حرج، وإنماا فوت على الملكف وضعاً أحسن كان متعلقاً برتبة التحسينيات.

المعيار الثاني:

يقوم هذا المعيار على أساس النظر إلى عدد الناس المتضررين من ترك المصلحة أو وقوع المفسدة، وقد قرر العلماء أن ما كان من المصالح والمفاسد أعم وأشمل كان أولى بالاعتبار طلباً أو دفعاً (١) كما قرروا أن الحاجة إذا عمت صارت في منزلة الضرورة (٢)

وبعد تحديد المعايير التي توزن بها المصالح والمفاسد، نشرع في وزنها في ضوء ما سبق:

وزن المفاسد:

أعظم مفسدة تذكر لاستخدام الأجنة في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية هي مفسدة إتلاف الجنين. فما قيمتها إذا وضعناها في الميزان في ضوء المعيارين السابقين؟

وفي الجواب عن هذا السؤال لا بد أن نشير أولاً إلى ما دل عليه الشرع واتفق عليه علماء الشريعة حسبما أسلفنا من أن إتلاف الجنين قبل نفخ الروح فيه لا ينطوي على إزهاق روح، ولا على إفساد جزء من جسد تستخدمه روح آدمية، لأن الجنين في هذه المرحلة لا روح فيه، ولا يعتبر آدمياً؛ فهذا العمل إذن ليس قتلاً لآدمي، ولا إيذاء لآدمي في ذاته، ومن هذه الجهة لا يعتبر تفويتاً لحياة إنسانية، ولا يترتب عليه حرج غير محتمل، ولا يجعل حياة الأم والأب فاسدة أو مختلة؛ نظراً لأن هذا الأمر يكون برضاهما، ولا يسمح به إلا بهذا الشرط كما سيأتي، وإذنهما هنا من أهم الأمور في تحديد قيمة هذه المفسدة؟ لأن الحاجة إلى الولد نسبية، وتختلف قيمتها باختلاف الناس، وباختلاف شوقهم ورغبتهم في تحقيقها، ويتدخل في تحديدها ظروف الزوجين كليهما، وقد لا تكون لهما حاجة في الولد، لكثرة أولادهما أو لأسباب أخرى، وإنما يعبر عن تلك الحاجة الرغبة المشتركة بين الطرفين، فإن أذنا بإسقاط الجنين من أجل تحقيق مصلحة صحية لشخص آخر أو للناس عامة دل ذلك على أن حاجتهما إلى الولد ضعيفة أو منعدمة. وأما إجبارهما على ذلك فقد يكون فيه تفويت لضرورة من الضرورات؟ فليست هذه الصورة مما نتكلم عنه.


(١) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص ٨٧.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>