للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اعتبر جماعة الظرف وهو خشية أن يترتب على إقامة الحد ما هو أشد وأبغض إلى الله من تعطيله وتأخيره وهو لحوق صاحبه بالأعداء حمية وغضبًا، كما قال عمر وأبو الدرداء: ونص عليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما فلا تقام الحدود في أرض العدو وقد أتى بسر بن أرطأة برجل من الغزاة وقد سرق مجنة، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تقطع الأيدي في الغزو)) لقطعت يدك وقد روى سعيد بن منصور أن عمر كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجل من المسلمين أحدًا وهو غاز يقطع الدرب قافلًا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار (١) . وقد ثبت أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه منع أن يقام الحد على الوليد بن عقبة وهو أمير في الغزو، وقال: أتحدون أميركم وقد دونوتم عدوكم فتطمعوا فيكم وإن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لم يقم الحد على أبي محجن وقد شرب الخمر يوم القادسية قال ابن القيم: وليس في هذا ما يخالف نصًّا ولا قياسًا ولا قاعدة من قواعد الشرع ولا إجماعًا ويدخل في هذا الباب ما فعله عمر رضي الله عنه حيث لم يعط المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة وحين أسقط الحد عمن سرق في عام المجاعة (٢) .

أما فساد الزمان فالمقصود به فساد أهله وانحطاط أخلاقهم وانعدام الورع وضعف التقوى مما يؤدي إلى تغير الأحكام تبعًا لتغير الناس وفسادهم ومنعًا للفساد وسد الذرائع، وقد أصبح في استشارة عرفا يقتضي تغيير الحكم لأجله وقد حدث في عهد الصحابة وفي عهد من بعدهم. فمن ذلك ما رواه البخاري عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه، فقال: ((عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك فيها وإلا فاستنفقها)) ، قال: يارسول الله: فضالة الغنم؟ قال: ((لك أو لأخيك أو للذئب)) ، قال: ضالة الإبل فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر)) .


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم الجوزية: ٣ /٦
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم الجوزية: ٣ /٧- ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>