والشافعي رحمه الله ذكر حديث أبي هريرة في منع الماء ليمنع به الكلأ في كتاب إحياء الموات من الأم الذي نقلناه عنه سابقا في هذا البحث قال: وهو إنما يحتمل أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى. ثم قال: فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام (١) .
قال صاحب سد الذرائع حفظه الله: "ليس في كلام الشافعي رضي الله عنه في اعتبار الذرائع أصرح من هذه العبارة غير أن اتباع الإمام رحمهم الله صرفوها عن ظاهرها بقصر معناها على ما يفضي قطعا إلى المفاسد وهو القسم المجمع على سده من الذرائع ولكن العبارة عامة وليست خاصة فإن الشافعي رحمه الله لم يقل ما كان ذريعة مستلزمة لمنع ما أحل الله لم يحل وكذا ذريعة مستلزمة لإحلال ما حرم الله بل أطلقها.
قلت: ما ذكرناه عنه رحمه الله في بيوع الآجال وما نقلناه عنه في كتاب إبطال الاستحسان من منعه من سد الذرائع يؤكد ما قاله أتباع الإمام من أنه أراد تحريم الوسائل المستلزمة وهذا القول يتفق مع ما دلت عليه نصوص الشريعة من أخذ المكلفين بظواهرهم وترك سرائرهم إلى الله تعالى طالما أن تصرفاتهم لا تصادم الشريعة في ظاهرها والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.