٥- ٤- لم يجر تمييز واضح في هذه الدراسات بين أنواع الربط المختلفة، لا أقصد من حيث موضوع الربط ومجاله وإنما أقصد من حيث الإلزام والاختيار، ومن حيث ما يربط به، وهل هو رقم قياسي أو سلعة أو عملة أو غير ذلك، رغم أن التمييز في ذلك له أهميته، فمثلاً لم تتطرق دراسة –فيما تحت يدي- لمسألة مدى مشروعية تدخل الدولة في العقود وفرض ما تراه من ربط حيالها، فهل ذلك التدخل من حيث ذاته جائز أم لا؟ ومتى؟ وكيف؟ ومن جهة أخرى فقد ظهر تخوف لا محل له شرعاً في حال الربط الاختياري، وهو أن الدولة سوف تستغل الربط في زيادة الضرائب مثلاً (١) إن ذلك التخوف قد يكون له مبرر شرعي عندما يكون الربط إجبارياً، أما إن كان اختيارياً فلا أظن أنه يمنع لمجرد هذا الاحتمال، ثم إن المربوط به إن كان المستوى العام للأسعار فالهدف عندئذ هو منع أثر التضخم، وإن كان سلعة أو عملة أو حتى رقماً قياسياً لا يعبر بكفاءة عن مستوى الأسعار فإن الهدف غالباً يكون تخفيف أثر التضخم، وإذن فلا يقال بشكل مطلق: إن الربط بسلعة ما مرفوض لأنه لن يحقق دائماً الهدف، فمعيار الحل والحرمة ليس هو ذاك وإنما شيء آخر.
٥- ٥- في ثنايا هذه الدراسات ظهر تحمس مبالغ فيه في بعض الجوانب، ولا أظن أن منهج التعرف على الحكم الشرعي يرحب بذلك، فمثلاً وجدنا مقولة:(لماذا لا نؤمن صاحب المدخرات ولا نؤمن رجال الأعمال؟؟) و (إن الربط سوف يجعل الناس يبتعدون عن المخاطرة والدخول في لجنة المشروعات)(٢) ، (إن الربط يعطي ميزة للمقترض لا يتمتع بها الشخص الذي يقرر تجميد أمواله)(٣) ولا يخفى أنه عند التأمل في مثل تلك المقولات لا نجد لمضمونها تأثيراً يذكر في تكييف الحكم على الربط، بل إن بعضها يمكن أن يستخدم كمبرر للربط، وما المانع من تأمين صاحب المدخرات طالما أنه يقدمها دون عائد متوقع؟ إن تأمينه على رجوع أمواله كاملة له أهميته الشرعية والاقتصادية، بينما رجل الأعمال قد دخل على المخاطرة متحملاً لها، ولما تجلبه له أو عليه، فكيف يؤمن؟؟؟ وهل مطلوب من كل فرد أن يخاطر ويعمل في النشاط الاقتصادي بكل ما لديه من أرصدة؟ وماذا في تمييز المقرض على المكتنز المجمد لماله؟ إن المقرض قد أفاد غيره عكس المجمد لماله، والتمييز هنا مطلوب ولاسيما من الناحية الاقتصادية، وكذلك من الناحية الشرعية.
(١) د. محمد عارف، تعليقات على بحث الدكتور منور إقبال، مشار إليه سلفاً (ص ٨) (٢) د. شابرا: نحو نظام نقدي عادل، نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي (ص ٥٧- ٥٨) (٣) د. صديقي، مرجع سابق (ص ١٠)