ويدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور}(١). ومعنى الآية أن الله يسمع الإيمان من يشاء من خلقه أن يفقههم ويفهمهم، وما أنت بمفقه (٢) الكفار الإيمان الذين هم بمنزلة من في القبور (٣)، ومثل هذا قوله تعالى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لآسْمَعَهُمْ}(٤) يعني لأعطاهم الإيمان (٥){وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} أي لو بين لهم كل ما يختلج في صدورهم {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} لما سبق عليهم في علم الله أنهم لا يؤمنون.
وأما قول المخالف: إنما ذكر ذلك على جهة التمثيل فإنما يحسن هذا في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور} أي هم (٦) بمنزلة من في القبور، وأما قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة} في مواضع كثيرة من القرآن فلا يصح (٧)؛
(١) فاطر آية (٢٢). (٢) في الأصل (تفهم) وما أثبت من - ح-. (٣) انظر: هذا المعنى من كلام الطبري في تفسيره ٢٢/ ١٢٩. (٤) الأنفال آية (٢٢ - ٢٣). (٥) الذي ذكره المفسرون في هذه الآية هو: "أن الله لو علم في هؤلاء الموصوفين خيراً لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره وحججه وآياته سماع تعقل وتفهم ينتفعون به". انظر: تفسير ابن جرير ٩/ ٢١٣، تفسير القرطبي ٧/ ٣٨٨، فتح القدير ٢/ ٢٩٨. (٦) (هم) ليست في - ح-. (٧) أي فلا يصح اعتبار أن قوله: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة} من باب التمثيل. انظر: كلام المخالف السابق ص ٣٧٤.