وقوله جل شأنه:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}"يعم الآخرة وغيرها، ولكن ذكرها لعِظَمِها، والتنبيه على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الجاحدين لها "(١). فالآخرة " هي دار الجزاء، ومحل التجلي، وكشف الغطاء، ونتيجة الأمر "(٢).
ومن هنا نعلم حقارة الدنيا ودنوها، عند كمال الآخرة وصفائها وعلوها يقول الإمام الرازي رحمه الله:" اعلم أن عالم الدنيا عالم الكدورة، وعالم الآخرة عالم الصفاء، فالآخرة بالنسبة للدنيا كالأصل بالنسبة للفرع وكالجسم بالنسبة للظل، فكل مافي الدنيا فلا بد له في الآخرة من أصل "(٣)
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله:" فإن المعاد يعود إلى العبد فيه، ما كان حاصلاً منه في الدنيا، ولهذا يسمى يوم الجزاء "(٤).
فاليوم الآخر عنوان حوى في طياته كثيرا من المعاني، وألمح ظاهر لفظه على وقوع التقصير من القاصي والداني، "فنستشف من قول إبراهيم: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)} [الشعراء:٨٨] مدى شعوره بهول اليوم الآخر، ومدى حيائه من ربه، وخشيته من الخزي أمامه، وخوفه من تقصيره، وهو النبي الكريم. كما نستشف من قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)} مدى إدراكه لحقيقة ذلك اليوم، وإدراكه كذلك لحقيقة القيم، فليست هنالك من قيمة في يوم الحساب إلا قيمة الإخلاص "(٥).
فلقرب هذا اليوم العظيم، نبه الله تعالى عليه (بغد)، ولتحقق وقوعه قال سبحانه وتعالى عنه:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل: ١].
(١) ابن عطية: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٧٠) (٢) البقاعي: نظم الدرر في تناسب الآيات و السور (١/ ٨٧). (٣) الرازي: مفاتيح الغيب (١/ ٢٤٤). (٤) ابن القيم: التفسير القيم (١٢٥). (٥) سيد قطب: في ظلال القرآن (٥/ ٢٦٠).