قوله تعالى:{ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ؛} أي ذلك الذي صنع ما ذكرناه من خلق السموات والأرض، هو عالم ما غاب عن الخلق وعالم ما خفي، لا يقدر عليه سواه كما لا يعلم الغيب غيره. وقوله تعالى:{الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}(٦)؛ أي القادر الذي لا يقاوم، المنيع في ملكه، المنعم على عباده.
(خلقه) بفتح اللام على الفعل؛ أي أحكم كلّ شيء مما خلقه. وقرأ الباقون: «(خلقه)» بسكون اللام؛ أي أحسن خلق كلّ شيء، فيكون نصب قوله: «(خلقه)» على البدل.
وقال مقاتل:«معناه: الّذي علم كيف يخلق الأشياء من غير أن يعلّمه أحد»(١).
وقال السديّ:«أحسنه: لم يعلّمه من أحد».
قيل: إنّ الله عزّ وجلّ لمّا طوّل رجل البهيمة والطير، طوّل عنقه لئلا يتعذر عليه تناول قوته من الأرض، ولو لم يطوّل عنقه لما نال معيشته.
قوله تعالى:{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ}(٧)؛يعني آدم عليه السّلام كان أول طينا،
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ؛} أي ذرّيته، {مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ}(٨)؛ أي من قليل من الماء ينسلّ من صلب الرجل وترائب المرأة، وهي النطفة، ووصفها بال {(مَهِينٍ)} لأنه لا خطر له عند الناس. وسميت سلالة لأنّها تنسلّ من الإنسان؛ أي تخرج. والهيّن هو الضعيف.
قوله تعالى:{ثُمَّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ؛} رجع إلى ذكر آدم، يعني سوّى خلقه ونفخ فيه من روحه؛ ثم عاد إلى ذريّته فقال:{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛} بعد أن كنتم نطفا. والأفئدة هي القلوب، {قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ}(٩)؛هذه النّعم فتوحّدونه. والمعنى: خلق لكم السمع فاستمعوا إلى الحقّ، والأبصار فأبصروا الحقّ، والأفئدة؛ أي القلوب؛ فاعقلوا الحقّ.
(٥) -على تضعيفه، وقد وثقه يحيى بن معين ووحيم).ويوجد اضطراب في ترتيب ألفاظ الحديث في أصل المخطوط. وضبط النص على أصله في المعجم. (١) قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ٢٧.