ومعنى الآية: {(فَهُمْ يُوزَعُونَ)} أي كان يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا، وكانوا يجتمعون ويتفرّقون ويقومون في مسيرهم على مراتبهم. والإيزاع هو المنع من الذهاب، والوازع هو القيّم بأمر الجيش، ومن ذلك قول الحسن:(لا بدّ للنّاس من وزعة)(٢) أي من سلطان يكفّهم، ويقال: لا بدّ للسّلطان من وزعة؛ أي من يمنع الناس عنه. وأصل الوزع الكفّ والمنع، ومنه الحديث:[إنّ الله ليزع بالسّلطان أكثر ممّا يزع بالقرآن](٣).
قوله تعالى:{حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ؛} أي ساروا جميعا حتّى إذا وصلوا إلى واد كثير النّمل، قال كعب:(هو واد بالطّائف)،وقال قتادة ومقاتل:(هو بالشّام)(٤)، {قالَتْ نَمْلَةٌ؛} لأصحابها على وجه التّحذير: {يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ؛} أي منازلكم، {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ؛} أي لا يكسرنّكم سليمان وجنوده، {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}(١٨)؛بذلك؛ أي وهم لا يعلمون بحطمكم ووطئكم، فطارت الريح بكلام النّملة، فأدخلته في أذن سليمان عليه السّلام ليسمعها،
{فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها؛} وكان أكثر ضحك الأنبياء عليهم السّلام التّبسّم.
ونصب قوله تعالى: {(ضاحِكاً)} على الحال، وسبب ضحكه من قولها التعجّب، وذلك أنّ الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به عجب وضحك. قال مقاتل:(ثمّ حمد ربّه حين علّمه منطق الطّير، وسمع كلام النّملة)(٥){وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ}
(١) نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٣ ص ١٦٧ معلقا. (٢) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ص ١٤١٦. (٣) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: ج ٣ ص ١٤٥٠؛ قال: (روى أشهب قال: قال مالك بن أنس: قال عثمان: (ما يزع الناس السلطان، أكثر مما يزعهم القرآن).والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٣ ص ١٦٨. (٤) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الأثر (١٦١٩٨). (٥) قاله مقاتل في التفسير: ج ٢ ص ٤٧٢.