وروى ابن أبي مليكة عن عائشة قالت في حديث الإفك:(ثمّ ركبت وأخذ صفوان بالزّمام، فمررنا بملإ من المنافقين، فقام عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقال: من هذا؟ قالوا: عائشة، قال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيّكم باتت مع رجل حتّى أصبحت، ثمّ جاء يقودها. وشرع في ذلك حسّان ومسطح وحمنة، ثمّ فشا ذلك في النّاس)(١).وقوله تعالى {(لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)} يريد في الدّنيا الجلد ثمانين جلدة، وفي الآخرة يصيّره الله إلى النار.
قوله تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً؛} أي هلاّ إذ سمعتموه أنّها العصبة الكاذبة؛ أي هلاّ إذ سمعتم قذف عائشة بصفوان، ظنّ المؤمنون والمؤمنات من العصبة الكاذبة يعني حمنة بنت جحش وحسّان ومسطح بأنفسهم خيرا. قال الحسن:(بأهل دينهم لأنّ المؤمنين كنفس واحدة).ألا ترى ظنّ المؤمنون الذي هم كنفس واحدة فيما جرى عليها من الأمور بأنفسهم خيرا، {وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ}(١٢)؛أي كذب ظاهر بيّن.
وروي: أن المراد بهذه الآية أبو أيّوب الأنصاريّ وامرأته أمّ أيوب، قالت: أما تسمع ما يقول النّاس في عائشة؟ قال: بل وذلك الكذب البيّن، أرأيت يا أمّ أيّوب كنت تفعلين ذلك؟ قالت: لا؛ والله ما كنت أفعله، قال: فعائشة والله خير منك، سبحان الله! هذا بهتان عظيم، فأنزل الله هذه الآية (٢).والمعنى: هلاّ إذا سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا كما فعل أبو أيّوب وامرأته قالا فيها خيرا.
قوله تعالى:{لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ؛} أي هلاّ جاء العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة بأربعة شهداء يشهدون بأنّهم عاينوا منها ذلك، {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ}(١٣)؛أخبر الله تعالى أنّهم كاذبون في قذفها، يعنى: إنّهم كاذبون في الظاهر والباطن، وكفى بهذا براءة لعائشة
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل: ص ٨٩٩. (٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٩٥٦٧).وابن أبي حاتم في التفسير: النص (١٤٢٢٥).