قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً؛} أي جعلنا ولادة عيسى من غير أب دلالة على التوحيد والبعث، ولم يقل: آيتين؛ لأن معنى الآية فيهما واحدة.
وقيل: معنى كلّ واحد منهما آية، كما قال {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها}(١) أي آتت كلّ واحدة أكلها، وقال تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ}(٢) ولم يقل أرجاس. وقيل: معناه: جعلنا شأنهما واحدا؛ لأن عيسى ولد من غير أب، وأمّه ولدت من غير مسيس ذكر.
قوله تعالى:{وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ}(٥٠)؛أي جعلناهما يأويان إلى بقعة مرتفعة ذات استواء واستقرار، ومكان ظاهر. والرّبوة:
المكان المرتفع من الأرض.
واختلفوا في هذه البقعة، قال قتادة:(يعني بيت المقدس، وهو أرفع موضع في الأرض وأقرب موضع إلى السّماء ثمانية عشر ميلا)(٣)،وقال أبو هريرة:(هي رملة بأرض فلسطين)(٤)،وروى الحسن وابن المسيّب:(أنّها دمشق).وقوله تعالى {(ذاتِ قَرارٍ)} أي مستوية ليستقرّ عليها ساكنوها، وهي مع ذلك ساحة واسعة، والمعين الماء الجاري الطاهر الذي تراه العيون، يقال عانت الرّكبة إذا سالت بالماء.
قوله:{يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً؛} قال الحسن ومجاهد والسديّ والكلبي وقتادة ومقاتل: (الخطاب في هذه الآية لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وحده، إلاّ أنّه ذكره بلفظ الجماعة، لما في الخطاب من تضمين أنّ الرّسل جميعا أمروا بهذا الخطاب، وقيل لهم: كلوا من الطّيّبات؛ أي من الحلال، أمرهم الله أن لا يأكلوا إلاّ حلالا).
قال الحسن:(أما والله ما عنى به أصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكنّه قال: انتهوا إلى الحلال منه).قوله تعالى: {(وَاعْمَلُوا صالِحاً)}
(١) الكهف ٣٣/. (٢) المائدة ٩٠/. (٣) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٩٣١١). (٤) أخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٩٣٠٧)