خالق آخر كما قال {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}(١)،ويقال:
{(أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)} أي أحسن المقدّرين، فإنّ الخلق هو التقدير كما قال تعالى مخبرا عن عيسى عليه السّلام {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ}(٢) أي أقدّر لكم من الطّير.
قال ابن عبّاس:(كان عبد الله بن شريح يكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأملى عليه هذه الآية، فلمّا بلغ إلى قوله {(آخَرَ)} خطر بباله {(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)}،فلمّا أملاها عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كذلك، قال عبد الله: إنّ محمّدا نبيّ يوحى إليه، وأنا نبيّ يوحى إليّ. فلحق بمكّة فمات كافرا) (٣).
قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ}(١٥)؛أي بعد الحياة والخلق الحسن والصّورة الحسنة ميّتون عند انقضاء آجالكم. قرأ أشهب العقيليّ:
«(لمائتون)» بالألف، والميّت والمائت الذي لم تفارقه الروح وهو سيموت، والميت بالتخفيف الذي فارقه الروح، فلذلك لم يخفّف كقول {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}(٤).
قوله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ}(١٦)؛يعني من قبوركم للجزاء والحساب.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ؛} أي سبع سماوات، سميت طرائق؛ لأن كلّ شيء فوق شيء فهو طريقة، يقال: طارقت نعلي إذا جعلت جلدا فوق جلد. ويقال: سميت طرائق لأنّها طرق الملائكة. قوله تعالى:{وَما كُنّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ}(١٧)؛أي وما كنّا عن حفظ السّماوات، وعن إنزال المطر على العباد وقت الحاجة غافلين، ولو جازت الغفلة لسقطت السّماوات بعضها على بعض.
قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ؛} أي أنزلنا المطر من السّماء بقدر الحاجة إليه؛ أي بقدر ما يكفيهم للمعيشة، وقيل: بقدر يعلمه
(١) الفرقان ٢٤/. (٢) آل عمران ٤٩/. (٣) في الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٤٠؛ قال القرطبي: (رواه الكلبي عن ابن عباس). (٤) الزمر ٣٠/.