ولهذا قال ابن عباس (١): {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} آدم {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} لذريته (٢). وبيان (٣) هذا ما قاله مجاهد {خَلَقْنَاكُمْ} يعني آدم، و {صَوَّرْنَاكُمْ} في ظهر آدم (٤). وإنما قال:{خلقناكم} بلفظ الجمع، وهو يريد آدم؛ كما تقول: ضربناكم، وإنما ضربتَ سيدَهم (٥).
واختار أبو عُبيد في هذه الآية قول مجاهد؛ لقوله بعدُ:{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا} وكان قوله تعالى للملائكة: {اسْجُدُوا} قبل خلق ذرية آدم وتصويرِهم في الأرحام، و (ثم) توجب التراخي والترتيب. فمَن جَعَل الخلق والتصوير في هذه الآية (٦) لأولاد آدم في الأرحام يكون قد راعى حكمَ (ثم) في الترتيب (٧)، إلا أن يأخذ بقول الأخفش، فإنه يقول:(ثم) هاهنا في معنى
(١) من هنا إلى آخر قول أبي عبيد منقول من البسيط للواحدي (٩/ ٣٨ ــ ٣٩). (٢) أخرجه الطبري في التفسير (١٢/ ٣١٨). (٣) (ق): «مثال». ويشجعه رسمه في الأصل أيضًا. وكذا في النسخ المطبوعة. والصواب ما أثبتنا من غيرهما، وهو مطابق لما في البسيط. (٤) أخرجه الطبري في التفسير (١٢/ ٣٢٠). (٥) هذا التمثيل جزء من كلام يونس الذي جوَّز أن يكون الخلق والتصوير كلاهما لآدم. ولعل نسخة البسيط التي اعتمد عليها ابن القيم كانت شبيهة بنسخة (ب) التي فيها سقط. انظر: البسيط (٩/ ٣٨) وتفسير الثعلبي (٤/ ٢١٨). (٦) كلمة «الآية» ساقطة من (ط). (٧) كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب عكسه، كما في البسيط: «لم يكن قد راعى ... ». وقال الواحدي في الوسيط (٢/ ٣٥٢): «ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} تصوير ذريته في الأرحام؛ لقوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، لأن هذا كان قبل تصوير ذرية آدم في الأرحام.