فالأول يُخالطهم ويحترز منهم، والثاني يتجنَّبهم ويَلحقه أذاهم. الأول داخلٌ فيهم بالنصيحة والإحسان مع الاحتراز، والثاني خارجٌ منهم مع الغِشِّ والدَّغَل والبغض.
فصل
والفرق بين الفراسة والظنِّ: أن الظن يخطئ ويصيب، وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته. ولهذا أمرَ تعالى باجتناب كثيرٍ منه (١)، وأخبر أن بعضه إثمٌ.
وأما الفراسة فأثنى على أهلها ومدَحهم في قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر: ٧٥] قال ابن عباس وغيره: أي: المتفرِّسين (٢). وقال تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ}[البقرة: ٢٧٣]، وقال تعالى:{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد: ٣٠].
فالفراسةُ الصادقةُ لقلبٍ قد تطهَّر وتصفَّى، وتنزَّه من الأدناس، وقرُب
(١) (ط): «من الظن». (٢) ما عدا (أ، ق، غ): «للمتفرسين». وهذا تفسير مجاهد. انظر: تفسير الطبري (١٤/ ٩٤)، (١٧/ ١٢٠). أما ابن عباس فقال: «للناظرين» كما أخرجه ابن أبي حاتم (١٣٢٨٠)، والطبري (١٤/ ٩٥)، (١٧/ ١٢١).