ثم المقبولُ: ينقسم، أيضاً، إلى معمولٍ به وغيرِ معمولٍ به؛ لأنه إنْ سَلِم من المعارَضةِ، أَيْ: لم يأتِ خَبَرٌ يُضَادُّهُ، فهو "المُحْكم"، وأمثلته كثيرة.
وإنْ عُورِضَ فلا يَخْلو: إما أنْ يكونَ مُعارِضُه مقبولاً مثلَه، أو يكونَ مردوداً.
فالثاني لا أثرَ له؛ لأن القويّ لا يؤثر فيه مخالفةُ الضعيف.
[مختلف الحديث، وطُرق دفَعِ التعارض بين الحديثين المتعارضين في الظاهر]
وإن كانت المعارضة بمثله؛ فلا يَخْلو: إما أن يمكن الجمع بين مدلوليهما بغير تعسُّفٍ، أو لا، [١١/ أ] فإنْ أمكنَ الجمعُ فهو النوع المسمَّى: مختَلِفَ الحديث.
ومَثَّلَ له ابنُ الصلاح بحديثِ:(لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ)(١)، مع حديثِ:(فِرَّ مِنَ المَجْذُوم فِرارَكَ مِنَ الأسد)(٢) وكلاهما في الصحيح وظاهرهما التعارض.
(١) أخرجه البخاري، عن عددٍ مِن الصحابة، في كتاب الطب في عدة مواضع، هي: الأحاديث: ٥٧٥٣، ٥٧٥٦، ٥٧٥٧، ٥٧٧٢، ٥٧٧٦. وقال في موضعٍ مِن كتاب الطب: بَاب الْجُذَامِ، وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ)، فجمع بينهما في حديثٍ واحدٍ. وأخرجه مسلم، ٢٢٢٠، كتاب السلام، و ٢٢٢٢، و ٢٢٢٣، و ٢٢٢٤، و ٢٢٢٥. (٢) تُنْظَر الحاشية السابقة، وأخرجه أحمد، ٩٧٢٠، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ). وأخرج البخاري في "صحيحه"، ٥٧٧١، الطب، بلفظ: (لا يُورَدْ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ)، و ٥٧٧٥، الطب، بلفظ: (لا تُورِدوا المُمْرِضَ على المُصِحِّ)، وبهذا اللفظ أخرجه مسلم، ٢٢٢١، كتاب السلام.