وَهَذَا النَّصُّ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْحَسَنُ مَحْمُودٌ، مَرْضِيٌّ للهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ يَضَعُهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَيَضَعُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَيَقُولُ:«اللهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُمَا، وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا»(١).
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ مَحَبَّتُهُ وَدَعْوَتُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَإِنَّهُمَا كَانَا أَشَدَّ النَّاسِ رَغْبَةً فِي الْأَمْرِ الَّذِي مَدَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِهِ الْحَسَنَ، وَأَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهَةً لَمَا يُخَالِفُهُ.
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَتْلَى مِنْ أَهْلِ صِفِّين لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِمَنْزِلَةِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، الَّذِينَ أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ مَدَحَ الصُّلْحَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقِينَ عَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، وَظَهَرَ مِنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - السُّرُورُ بِقِتَالِهِمْ؛ وَمِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْأَمْرَ بِقِتَالِهِمْ مَا قَدْ ظَهَرَ عَنْهُ.
وَأَمَّا قِتَالُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِيهِ أَثَرٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ سُرُورٌ؛ بَلْ ظَهَرَ مِنْهُ الْكَآبَةُ، وَتَمَنَّى أَنْ لَا يَقَعَ، وَشَكَرَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ، وَبَرَّأَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ
(١) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -:كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا». (رواه البخاري). وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا». (رواه البخاري). أما لفظة: «وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» فوجدته خاصًا بالحسن والحسين - رضي الله عنهما - فعن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: طَرَقْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَكَشَفَهُ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ. فَقَالَ: «هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ؛ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا» (رواه الترمذي وحسنه الألباني). (الطَّرْقُ): الْإِتْيَانُ بِاللَّيْلِ. (فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ) أَيْ لِأَجْلِ حَاجَةٍ مِنْ الْحَاجَاتِ (وَهُوَ مُشْتَمِلٌ) أَيْ مُحْتَجِبٌ (فَكَشَفَهُ) أَيْ أَزَالَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحِجَابِ (عَلَى وَرِكَيْهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، وَفِي الْقَامُوسِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ: مَا فَوْقَ الْفَخِذِ، (هَذَانِ اِبْنَايَ) أَيْ حُكْمًا. (وَابْنَا اِبْنَتِي) أَيْ حَقِيقَةً. (اهـ باختصار من تحفة الأحوذي).