وَلَعَلَّهُ مِن أَوهَامِ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ عَلَى ابنِ عَبَّاسٍ، وَاللهُ أَعلَمُ. وَالأَقرَبُ في مِثلِ هَذِهِ السِّيَاقَاتِ أَنَّهَا مُتَلَقَّاةٌ عن أَهلِ الكِتَابِ مِمّا يُوجَدُ في صُحُفِهِم ... ـ كَرِوَايَاتِ كَعبٍ وَوَهبٍ، سَامَحَهُمَا اللهُ تَعَالى فِيمَا نَقَلَا إِلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِن أَخبَارِ بَنِي إِسرَائِيلَ مِنَ الأَوَابِدِ وَالغَرَائِبِ وَالعَجَائِبِ، مِمّا كَانَ وَمَا لَم يَكُن، وَمِمّا حُرّفَ وَبُدِّلَ وَنُسِخَ ـ. وَقَد أَغنَى اللهُ سُبحَانَهُ عن ذَلكَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنهُ وَأنفَعُ، وَأَوضَحُ وَأَبلَغُ، وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ.» ا. هـ (١).
وقال - رحمه الله -، أَثنَاءَ كَلَامِه عَلَى مَن هُوَ الذَّبِيحُ إِسحَاقُ أَم إِسمَاعِيلُ: «وَهذِهِ الأَقوَالُ ـ واللهُ أعلمُ ـ كُلُّهَا مَأخُوذَةٌ مِن كَعبِ الأَحبَارِ؛ فَإِنَّهُ لَمّا أَسلَمَ في الدَّولَةِ العُمَرِيَّةِ جَعَلَ يُحَدِّثُ عُمَرَ - رضي الله عنه - عن كُتُبِهِ، فَرُبَّمَا استَمعَ لَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه -، فَتَرَخَّصَ النَّاسُ في استِمَاعِ مَا عِندَهُ، وَنَقَلُوا عَنهُ غَثَّهَا وَسَمِينَهَا، وَلَيسَ بِهَذِهِ الأُمَّةِ ـ واللهُ أَعلَمُ ـ حَاجَةٌ إِلَى حَرفٍ وَاحِدٍ مِمّا عِندَهُ.» ا. هـ (٢).
فَنَخلُصُ مِن هَذِهِ النُّقُولِ إِلَى أَنّ الأَحَادِيثَ وَالآثَارَ المَبثُوثَةَ في كُتُبِ فَضَائِلِ بَيتِ المَقدِسِ لَم يَصِحّ مِنهَا إِلّا النّزرُ اليَسِيرُ.
يَقُولُ الإِمَامُ ابنُ قَيِّمِ الجَوزِيَّةِ - رحمه الله -:
«فصلٌ
وَمِن ذَلِكَ (٣) الحَدِيثُ الذِي يُروَى في الصَّخرَةِ: أَنَّهَا عَرشُ اللهِ الأَدنَى. تَعَالَى اللهُ عن كَذِبِ المُفتَرِينَ.
وَلَمّا سَمِعَ عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ هَذَا قَالَ: «سُبحَانَ اللهِ! يَقُولُ اللهُ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥] وَتَكُونُ الصَّخرَةُ عَرشَهُ الأَدنَى؟!»
(١) تفسير القرآن العظيم (١٠/ ٤١٣).(٢) المصدر نفسُه (١٢/ ٤٧).(٣) أي: مِن أمثلة مخالفة الحديث صريحَ القرآن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute