وحقيقةُ الأمرِ: أن السلطانَ اشترطَ على المقاطِعَةِ (١) أن يَتركوا في الأرضِ قوةً، وإذا كان الأولُ قد تركَ فيها قوةً، والثاني محتاجٌ إليها، فرأى وليٌّ من ولاةِ الأمرِ أن يجعلَ عطاءَها للأولِ بقسطه بحسَبِ المصلحةِ؛ جاز ذلك، وإذا جرَتِ العادةُ بأن مَن دخَل على قوةٍ خرَج على نظيرِها، ومَن أعطى قوةً من عندِه واستوفاها مؤجلةً؛ كان إقطاعُ وليِّ الأمرِ بهذا الشرطِ، وذلك جائزٌ، فإن الزرعَ إنما ملكَه بالإقطاعِ، وإقطاعُ وليِّ الأمرِ بمنزلةِ قسمةِ بيتِ مالِ المسلمِينَ.
وأما أموالُ الفَيْءِ؛ فللإمامِ أن يخُصَّ طائفةً بصنفٍ، وطائفةً بصنفٍ آخَرَ، وكذلك في المغانِمِ على الصحيحِ، كما يجوزُ تفضيلُ بعضِ الغانِمِينَ لمنفعته على الصحيحِ، فمالُ الفَيْءِ يُستحَقُّ بحسَبِ الحاجةِ والمقاتلةِ، فيجبُ أن يُقسَمَ بالعدلِ، كما يجبُ العدلُ على كلِّ حاكمٍ وكلِّ قاسمٍ؛ لكنْ إذا قُدِّر أن الحاكمَ أو القاسمَ ليس عدلًا؛ لم تبطُلْ جميعُ أحكامِه وقَسْمُه على الصحيحِ الذي عليه السَّلَفُ؛ فإنه قد ثبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم: أنه أمَر بطاعةِ وُلاةِ الأمورِ معَ جَوْرِهم (٢)، فإذا أمَرَ بالمعروفِ؛
(١) في النسخ الخطية: المقاطع. والمثبت من مجموع الفتاوى. (٢) سيرد الحديث من كلام المصنف قريبًا.