[٢٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} [النحل: ٢٢] جاحدة، {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: ٢٢] متعظمون.
[٢٣] {لَا جَرَمَ} [النحل: ٢٣] حَقًّا {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: ٢٣] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لا يدخل الجنة مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونعله حَسَنًا؟ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» (١) .
[٢٤] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} [النحل: ٢٤] يَعْنِي: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ الَّذِينَ اقتسموا عقابها إذا سأل منهم الْحَاجُّ، {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل: ٢٤] أحاديثهم وأباطيلهم.
[٢٥] {لِيَحْمِلُوا} [النحل: ٢٥] أي: ليجعلوا، {أَوْزَارَهُمْ} [النحل: ٢٥] ذنوب أنفسهم، {كَامِلَةً} [النحل: ٢٥] وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَمَالَ لِأَنَّ الْبَلَايَا الَّتِي تَلْحَقُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا يفعلون فيها مِنَ الْحَسَنَاتِ لَا تُكَفِّرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النَّحْلِ: ٢٥] بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، {أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥] ما يحملون. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثامهم شيئا» (٢) .
[٢٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النحل: ٢٦] وَهُوَ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ، بَنَى الصرح ببابل ليصعد السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَوَهْبٌ: كَانَ طُولُ الصَّرْحِ فِي السَّمَاءِ خَمْسَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ. وَقَالَ كَعْبٌ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ طُولُهُ فَرْسَخَيْنِ فَهَبَّتْ رِيحٌ وَأَلْقَتْ رَأْسَهُ فِي الْبَحْرِ وَخَرَّ عَلَيْهِمُ الْبَاقِي وَهُمْ تَحْتَهُ، فذلك قوله تعانى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: ٢٦] أَيْ: قَصَدَ تَخْرِيبَ بُنْيَانِهِمْ مِنْ أصولها، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} [النحل: ٢٦] يَعْنِي أَعْلَى الْبُيُوتِ {مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل: ٢٦] من مأمنهم.
[قوله تعالى ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ] شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ. . . . .
[٢٧] {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} [النحل: ٢٧] يُهِينُهُمْ بِالْعَذَابِ، {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} [النحل: ٢٧] تخالفون، المؤمنون فِيهِمْ مَا لَهُمْ لَا يَحْضُرُونَكُمْ فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ، وَكَسَرَ نَافِعٌ النُّونَ مِنْ (تُشَاقُّونَ) عَلَى الْإِضَافَةِ، وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا. {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [النحل: ٢٧] وهم المؤمنون، {إِنَّ الْخِزْيَ} [النحل: ٢٧] الهوان، {الْيَوْمَ وَالسُّوءَ} [النحل: ٢٧] أي: العذاب، {عَلَى الْكَافِرِينَ} [النحل: ٢٧]
(١) أخرجه مسلم في الإيمان رقم (٩١) ١ / ٥٣ والمصنف في شرح السنة ١٣ / ١٦٥.(٢) أخرجه مسلم في العلم رقم (٢٦٧٤) ٤ / ٢٠٦٠ والمصنف في شرح السنة ١ / ٢٣٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute