وما ذكره المصنف من التخريج على الأصلين لا يطرد، فإن الشرط الذي وجوده مفسد يصح أن يقال: الأصل عدمه، وفيه يتجه ما قلناه ويقوي قول مدعي الصحة.
وأما الشرط الذي عدمه مفسد كالرؤية، فالأصل عدم الرؤية، وذلك يقتضي الفساد، وقول مدعي الصحة لا يعضده أصل، وإنما يعضده ظاهر، فلا جرم قبول قول مدعي الفساد هنا أظهر منه في القسم المتقدم، وعند هذا يقول: الاختلاف في الصحة والفساد له مراتب:
الأولى: أن يجري الاختلاف في صفة المعقود عليه، مثل: أن يقول العبد الذي وقع العقد عليه: كان حرًا، أو حر الأصل، أو الأمة: كانت أم ولد، أو المبيع: كان ملكًا لغير البائع.
فالذي جزم به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، وغيرهما من العراقيين أن القول قول مدعي الصحة، وجعلوا ذلك أصلًا فأثبتوا عليه أحد الوجهين هنا، وكأنهم يرون أن ذلك لا خلاف فيه، وذلك لأن قول مدعي الفساد في هذه المرتبة لم يعتضد بأصل، فاعتضاد قول مدعي الصحة بالظاهر سالم عن المعارض، وليس هنا تقابل أصلين ولا أصل وظاهر، وأيضًا فإن مقتضى الإقدام على شراء العبد الاعتراف برقِّه، هذا ما ذكره هؤلاء.
لكن الجرجاني في "الشافي" قال فيما إذا قال المشتري: بعتني هذا العصير وهو خمر، وقال البائع: بعتكه وهو عصير، ثم صار خمرًا، أن القول قول من يدعي الفساد؛ لأن الأصل عدم العقد ولم يحك في ذلك خلافًا، والرافعي (١) جعلها من صور الاختلاف في الصحة والفساد، وأظن ذلك تفقهًا منه لا نقلًا ولا ملمح فرق بين ذلك وبين الاختلاف في ملك المبيع إلَّا أن الموجود في يد البائع خمر، ودعوى كونه كان عند العقد