(وَأَمْرٌ بِأَمْرٍ) لآخَرَ (بِشَيْءٍ: ليسَ أَمْرًا بِهِ) عندَ الأكثرِ، كقولِه تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ}(١)، وقولِه -عليه الصلاة والسلام-: «مُرُوهُمْ بِهَا لِسَبْعٍ»(٢) لأنَّه لو كانَ أمرًا لكانَ قولُ القائلِ: «مُرْ عبدَك» تَعَدِّيًا وتناقضًا لقولِه للعبدِ: لا تَفعَلْ، والرَّسولُ مُبَلِّغٌ لا آمِرٌ.
(و) ممَّا يَلْحَقُ بهذه المسألةِ ويُشْبِهُها: قولُه تعالى: ({خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (٣) فإنَّ الأمرَ بالأخذِ يَتَوَقَّفُ على إعطائِهم ذلك، إذا تَقَرَّرَ ذلك فـ (ليسَ) ذلك (أَمْرًا لَهُمْ بِإِعْطَاءٍ) على الصَّحيحِ.
وقالَ أبو بكرٍ البَاقِلَّانِيُّ: يَجِبُ الإعطاءُ لا بهذا الطَّريقِ بل بالإجماعِ؛ لأنَّه إذا وَجَبَ عليه الأخذُ قِيلَ له: مُرْ بالإعطاءِ، وامتثالُ أمْرِه واجبٌ (٤).
(وَ) إذا وَرَدَ (أَمْرٌ بِصِفَةٍ) أو هيئةٍ لفِعلٍ، ودَلَّ الدَّليلُ على استحبابِها: ساغَ التَّمسُّكُ به على وجوبِ أصلِ الفعلِ، لتَضَمُّنِه الأمرَ به؛ لأنَّ مُقتضاه وجوبُهما، فإذا خُولِفَ في الصَّريحِ: بَقِيَ المُتضمَّنُ على أصلِ الاقتضاءِ، ذَكَرَه أصحابُنا.
قال أبو إسحاقَ الشِّيرازيُّ: الأمرُ بالصِّفةِ (أَمْرٌ بِالمَوْصُوفِ) كالأمرِ (٥) بالطُّمأنينةِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ يَكُونُ أمرًا بهما (٦). انتهى.
(١) طه: ١٣٢. (٢) رواه أبو داود (٤٩٤)، والترمذي (٤٠٧) من حديث سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: حديث حسن. (٣) التَّوبة: ١٠٣. (٤) ينظر: «التحبير شرح التحرير» (٥/ ٢٢٦٥). (٥) في (ع): كأمر. (٦) «اللمع في أصول الفقه» (ص ١٨).