أحدها: أنها أيلة «١» ، رواه مُرّة عن ابن مسعود، وأبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي. والثاني: أنها مَدْيَن، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثالث: أنها ساحل مدين، روي عن قتادة. والرابع: أنها طبرية، قاله الزهري. والخامس: أنها قرية يقال لها: مقنا «٢» ، بين مدين وعينونا، قاله ابن زيد. ومعنى حاضِرَةَ الْبَحْرِ مجاورة البحر وبقربه وعلى شاطئه. إِذْ يَعْدُونَ قال الزجاج: أي يظلمون، يقال: عدا فلان يعدو عُدْواناً وعَداءً وعَدْواً وعُُدّواً: إذا ظلم، وموضع «إذ» نصب والمعنى: سلهم عن وقت عَدْوِهم في السبت. إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ في موضع نصب أيضاً ب «يَعْدُونَ» والمعنى: سلهم إذ عَدَوْا في وقت الإتيان. شُرَّعاً أي: ظاهرة. كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم بفسقهم. ويحتمل على بعد أن يكون المعنى وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كذلك، أي: لا تأتيهم شُرَّعاً ويكون نَبْلُوهُمْ مستأنفا. وقرأ الأعمش، وأبان، والمفضل عن عاصم:«يُسبِتون» بضم الياء.
قوله تعالى: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ قال المفسرون: افترق أهل القرية ثلاث فرق فرقة صادت وأكلت، وفرقة نهت وزجرت، وفرقة أمسكت عن الصيد، وقالت للفرقة الناهية: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين، فقالت الفرقة الناهية: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:«معذرةُ» رفعاً، أي: موعظتُنا إياهم معذرةٌ، والمعنى أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذراً إلى الله. وقرأ حفص عن عاصم:«معذرةً» نصباً، وذلك على معنى نعتذر معذرةً. وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: وجائز أن ينتفعوا بالموعظة فيتركوا المعصية.
قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ يعني: تركوا ما وُعظوا به أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وهم الناهون عن المنكر. والذين ظلموا هم المعتدون في السبت.
قوله تعالى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:«بئيس» على وزن فعيل، فالهمزة بين الباء والياء. وقرأ نافع:«بِيسٍ» بكسر الباء من غير همز. وقرأ ابن عامر كذلك، إلا
(١) أيلة: مدينة على ساحل القلزم مما يلي الشام، وقيل في آخر الحجاز وأول الشام «معجم البلدان» ١/ ٢٩٢. (٢) مقنا قرب أيلة «معجم البلدان» ٥/ ١٧٨.