وقيل: بل بعثه الله تعالى بعد موت ملِك مصر إلى القبط. قوله تعالى: فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ أي: من عبادة الله وحده حَتَّى إِذا هَلَكَ أي: مات قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا أي: إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدِّد إِيجابَ الحجة عليكم كَذلِكَ أي: مِثْل هذا الضَّلال يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ أي: مُشْرِكٌ مُرْتابٌ أي: شاكّ في التوحيد وصدق الرّسل.
قوله تعالى: الَّذِينَ يُجادِلُونَ قال الزجاج: هذا تفسير المسرف المرتاب، والمعنى: هُمْ الذين يجادِلونَ في آيات الله. قال المفسرون: يجادِلونَ في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان، أي: بغير حُجَّة أتتهم من الله. كَبُرَ مَقْتاً أي: كَبُرَ جدالُهم مَقْتاً عند الله وعند الذين آمنوا، والمعنى: يَمْقُتهم الله ويَمْقُتهم المؤمنون بذلك الجدال. كَذلِكَ أي: كما طَبَع اللهُ على قلوبهم حتى كذَّبوا وجادلوا بالباطل، يَطْبع عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ عن عبادة الله وتوحيده. وقد سبق بيان معنى الجبّار في هود «١» . وقرأ أبو عمرو:«على كلِّ قلبٍ» بالتنوين، وغيرُه من القرّاء السبعة يُضيفه. وقال أبو علي:
المعنى: يطبع على جملة القلب من المتكبِّر. واختار قراءة الإِضافة الزجاج، قال: لأن المتكبِّر هو الإِنسان لا القلب. فإن قيل: لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدَّم القلبُ على الكُلِّ؟ فالجواب: أن هذا جائز عند العرب، قال الفراء: تقدُّم هذا وتأخُّره واحد، سمعتُ بعض العرب يقول: هو يرجِل شعره يومَ كل جمعة، يريد: كلَّ يوم جمعة، والمعنى واحد. وقد قرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني:«على قلبِ كلِّ متكبِّر» بتقديم القلب.
قال المفسرون: فلمّا وعظ المؤمنُ فرعونَ وزجره عن قتل موسى، قال فرعونُ لوزيره: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً وقد ذكرناه في القصص «٢» . قوله تعالى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ قال ابن عباس وقتادة: يعني أبوابها. وقال أبو صالح: طرقها. وقال غيره: المعنى: لعلِّي أبلُغُ الطُّرق من سماءٍ الى سماءٍ. وقال الزجاج: لعلِّي أبلُغ ما يؤدِّيني إلى السموات. وما بعد هذا مفسَّر في القصص «٣» إلى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أي: ومِثْلُ ما وصفْنا زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عن سبيل الهدى. قرأ عاصم، وحمزة والكسائي:«وَصُدَّ» بضم الصاد، والباقون بفتحها، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ في إبطال آيات موسى إِلَّا فِي تَبابٍ أي: في بطلان وخسران.