نافع وحده «مِثقالُ حَبَّة» برفع اللام. وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان: أحدهما: أن ابن لقمان قال لأبيه: أرأيتَ لَو كانت حبَّة في قعر البحر أكان اللهُ تعالى يعلَمُها؟ فأجابه بهذه الآية، قاله السدي.
والثاني: أنه قال: يا أبت إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد، كيف يعلَمُها الله؟ فأجابه بهذا، قاله مقاتل. قال الزجاج: من قرأ برفع المثقال مع تأنيث «تَكُ» فلأنَّ «مثقال حبَّة من خردل» راجع إِلى معنى: خردلة، فهي بمنزلة: إِن تَكُ حبَّةٌ من خردل ومن قرأ: «مثقالَ حبَّة» فعلى معنى: إِن التي سألتَني عنها إِن تَكُ مثقالَ حبَّة، وعلى معنى: إِنَّ فَعْلَة الإِنسان وإِن صغرت يأت بها الله عزّ وجلّ وقد بيَّنَّا معنى «مثقالَ حبَّة من خردل» في الأنبياء «١» . قوله تعالى: فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ قال قتادة: في جبل.
وقال السدي: هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة، ليست في السّموات ولا في الأرض. وفي قوله تعالى: يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ثلاثة أقوال: أحدها: يعلَمها الله تعالى: قاله أبو مالك. والثاني: يُظهرها، قاله ابن قتيبة. والثالث: يأت بها الله في الآخرة للجزاء عليها. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ قال الزجاج: لَطِيفٌ باستخراجها خَبِيرٌ بمكانها. وهذا مَثَل لأعمال العباد، والمراد أنَّ الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة، مَنْ يعمل مثقال ذَرَّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذَرَّة شرّاً يره.
قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أي: في الأمر المعروف والنَّهي عن المُنْكَر من الأذى.
قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب:«تُصَعِّر» بتشديد العين من غير ألف. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: بألف من غير تشديد. قال الفراء: هما لغتان، ومعناهما الإِعراض من الكِبْر. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رجاء وابن السميفع، وعاصم الجحدري:«ولا تُصْعِر» باسكان الصاد وتخفيف العين من غير ألف. وقال الزجاج: معناه: لا تُعْرِض عن الناس تكبُّراً يقال: أصاب البعير صَعَرٌ: إِذا أصابه داءٌ يَْلوي منه عُنُقه. وقال ابن عباس: هو الذي إِذا سُلِّم عليه لوى عُنُقه كالمستكبِر. وقال أبو العالية: ليكن الغنيُّ والفقير عندك في العلم سواء. وقال مجاهد: وهو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحِنَة «٣» ، فيراه فيُعرض عنه. وباقي الآية بعضه مفسر في بني إِسرائيل «٤» وبعضه في سورة النساء «٥» .
قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي: ليكن مشيُك قصداً، لا تخيُّلاً ولا إِسراعاً. قال عطاء: امش بالوقار والسَّكينة. قوله تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أي: انقص منه. قال الزجاج: ومنه: غضضتُ بصري، وفلان يغضُّ من فلان، أي: يقصر به. إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ وقرأ أبو المتوكل، وابن أبي عبلة:«أنَّ أنكر الأصوات» بفتح الهمزة. ومعنى «أنكر» : أقبح تقول: أتانا فلان بوجه منكر، أي:
(١) الأنبياء: ٤٧. (٢) آل عمران: ٢٨٦. (٣) في «اللسان» : الحنة: هو من العداوة والإحنة: الحقد في الصدر ويقال في صدره عليّ إحنة ولا تقل حنة. (٤) الإسراء: ٣٧. (٥) النساء: ٣٦.