هؤلاء قوم من اليهود كانوا يقولون للنبي، صلّى الله عليه وسلم، إذا حدّثهم وأمرهم: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: عصينا. وإن أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا له: اسمع يا أبا القاسم، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت. ويقولون له: راعنا. يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انتظرنا حتى نكلمك بما نريد، كما تقول العرب: أرعني سمعك وراعني، أي: انتظرني وترفّق وتلوّم عليّ، هذا ونحوه، وإنما يريدون سبّه بالرّعونة في لغتهم، فقال الله سبحانه: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ كذا وكذا.
ويقولون: راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ أي: قلبا للكلام بها، وَطَعْناً فِي الدِّينِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا مكان قولهم: سمعنا وعصينا، وقالوا: واسمع. مكان قوله: لا سمعت، وانظرنا، مكان قولهم: راعنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ.
والعرب تقول: نظرتك وانتظرتك، بمعنى واحد، قال الحطيئة «١» :
وقد نظرتكم إيناء عاشية ... للخمس طال بها حوزي وتنساسي
عجز البيت بلفظ: وأعبد أن تهجى كليب بدارم وهو بهذا اللفظ للفرزدق في تاج العروس (عبد) ، (عني) ، وإصلاح المنطق ص ٥٠، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٢٩٩، وديوان الأدب ٢/ ٢٣٠، ومقاييس اللغة ٤/ ٢٠٧. (١) يروى صدر البيت بلفظ: وقد نظرتكم أبناء صادرة والبيت من البسيط، وهو للحطيئة في ديوانه ص ١٠٦، ولسان العرب (نظر) ، (نسس) ، (عشا) ، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٣٠٦، وجمهرة اللغة ص ٢٥٠، وتهذيب اللغة ٣/ ٥٤، ٥/ ١٧٧، ١٢/ ٣٠٧، ١٤/ ٣٧١، وتاج العروس (نظر) ، (نسس) ، وكتاب العين ٧/ ١٩٩، وبلا نسبة في المخصص ٧/ ١٠٣، ولسان العرب (حوز) .