قُلْتُ: بَلْ فِيهِ ظَاهِرٌ يَقْرُبُ إِلَى النَّصِّ، يُبَيِّنُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسُ مَنْ أَهْدَى «١» فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أهدى فإنه لا يحل من شي حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ) الْحَدِيثَ. وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامَ إِلَّا فِي أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَى أمصاركم «٢» " [البقرة ١٩٦] الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي. قَالَ النَّحَّاسُ: وَكَانَ هَذَا إِجْمَاعًا. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ" يُقَالُ: كَمَلَ يَكْمُلُ، مِثْلَ نَصَرَ يَنْصُرُ. وَكَمُلَ يَكْمُلُ، مِثْلَ عَظُمَ يَعْظُمُ. وَكَمِلَ يَكْمَلُ، مِثْلَ حَمِدَ يَحْمَدُ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:" تِلْكَ عَشَرَةٌ" وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا عَشَرَةٌ، فَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ التَّخْيِيرَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَوْ سَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ بَدَلًا مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَسَبْعَةٌ أُخْرَى- أُزِيلَ ذَلِكَ بِالْجُمْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ" تِلْكَ عَشَرَةٌ" ثُمَّ قَالَ:" كامِلَةٌ". وَقَالَ الْحَسَنُ:" كامِلَةٌ" فِي الثَّوَابِ كَمَنْ أَهْدَى. وَقِيلَ:" كامِلَةٌ" فِي الْبَدَلِ عَنِ الْهَدْيِ، يَعْنِي الْعَشَرَةَ كُلَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ. وَقِيلَ: كَامِلَةٌ فِي الثَّوَابِ كَمَنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ. وَقِيلَ: لَفْظُهَا لَفْظُ الْإِخْبَارِ وَمَعْنَاهَا الْأَمْرُ، أَيْ أَكْمِلُوهَا فَذَلِكَ فَرْضُهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:" عَشَرَةٌ" دَلَالَةٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعَدَدِ، لِئَلَّا يتوهم متوهم أنه قد بقي
(١). في الأصول:" من أهل".(٢). قوله" إلى أمصاركم": تفسير من ابن عباس للرجوع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute