(إِنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ). وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إِذَا غُسِلَ، فَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، لِأَنَّهُ مَائِعٌ نُجَسٌ فَأَشْبَهَ الدَّمَ وَالْخَمْرَ وَالْبَوْلَ وَسَائِرَ النَّجَاسَاتِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، لِأَنَّهُ جِسْمٌ تَنَجَّسَ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الدَّمَ، لِأَنَّهُ نَجِسٌ بِعَيْنِهِ، وَلَا الْخَمْرَ وَالْبَوْلَ لِأَنَّ الْغَسْلَ يَسْتَهْلِكُهُمَا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- فَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ رَجَعَ إِلَى حَالَتِهِ الْأُولَى فِي الطَّهَارَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، لَكِنْ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ عِنْدَ النَّاسِ تَأْبَاهُ نُفُوسُهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَنَجَاسَتَهُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْعَيْبَ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمَعِيبَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ الْغَسْلِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ، لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلِأَنَّهُ مَائِعٌ نَجَسٌ فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا «١» فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا). وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ. وَهَذَا الْمَائِعُ مُحَرَّمٌ لِنَجَاسَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ ثَمَنُهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتُلِفَ إِذَا وَقَعَ فِي الْقِدْرِ حَيَوَانٌ، طَائِرٌ أَوْ غَيْرُهُ [فَمَاتَ] فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْكَلُ مَا فِي الْقِدْرِ، وَقَدْ تَنَجَّسَ بِمُخَالَطَةِ الْمَيْتَةِ إِيَّاهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُغْسَلُ اللَّحْمُ وَيُرَاقُ الْمَرَقُ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: يُغْسَلُ اللَّحْمُ وَيُؤْكَلُ. وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي الْمَرَقِ «٢» مِنْ أَصْحَابِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- فَأَمَّا إِنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَلِكَ نَجَسٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِطَهَارَتِهِمَا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَوْضِعِ الْخِلْقَةِ أَثَرًا فِي تَنَجُّسٍ مَا جَاوَرَهُ مِمَّا حَدَثَ فِيهِ خِلْقَةٍ، قَالَ: وَلِذَلِكَ يُؤْكَلُ اللَّحْمُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُرُوقِ، مَعَ الْقَطْعِ بِمُجَاوَرَةِ الدَّمِ لِدَوَاخِلِهَا مِنْ غَيْرِ تَطْهِيرٍ وَلَا غَسْلٍ إِجْمَاعًا. وَقَالَ مَالِكٌ نَحْوَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَلَكِنْ يَنْجُسُ بِمُجَاوَرَةِ الْوِعَاءِ النَّجِسِ وَهُوَ مِمَّا لَا يتأتى فيه الغسل.
(١). جمل الشحم وأجمله: أذابه واستخرج دهنه.(٢). في بعض الأصول والنسخة الازهرية:" ولا مخالف له في الصحابة". [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute