قُلْتُ: وَفِيهِ بُعْدٌ، فَإِنَّ حَقَّ الْعِمَادِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ، مِثْلَ قَوْلِهِ:" إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ «١» "، وَقَوْلُهُ:" وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ «٢» " وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقِيلَ:" مَا" عَامِلَةٌ حجازية، و" هُوَ" اسْمُهَا، وَالْخَبَرُ فِي" بِمُزَحْزِحِهِ". وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:" هُوَ" ضَمِيرُ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِيهِ بُعْدٌ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ النُّحَاةِ أَنْ يُفَسَّرَ بِجُمْلَةٍ سَالِمَةٍ مِنْ حَرْفِ جَرٍّ. وَقَوْلُهُ:" بِمُزَحْزِحِهِ" الزَّحْزَحَةُ: الْإِبْعَادُ وَالتَّنْحِيَةُ، يُقَالُ: زَحْزَحْتُهُ أَيْ بَاعَدْتُهُ فَتَزَحْزَحَ أَيْ تَنَحَّى وَتَبَاعَدَ، يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْمُتَعَدِّي:
يَا قَابِضُ الرُّوحِ مِنْ نَفْسٍ إِذَا احْتُضِرَتْ ... وَغَافِرُ الذَّنْبِ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ
وَأَنْشَدَهُ ذُو الرُّمَّةِ:
يَا قَابِضَ الرُّوحِ عَنْ جِسْمٍ عَصَى زَمَنًا ... وَغَافِرَ الذَّنْبِ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ
وَقَالَ آخَرُ فِي اللَّازِمِ:
خَلِيلَيَّ مَا بَالُ الدُّجَى لَا يَتَزَحْزَحُ ... وَمَا بَالُ ضَوْءِ الصُّبْحِ لَا يَتَوَضَّحُ
وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا). قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ" أَيْ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ أَنْ يُعَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ. قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ اللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ بَصِيرٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ. وَالْبَصِيرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْخَبِيرُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ بَصِيرٌ بِالطِّبِّ، وَبَصِيرٌ بِالْفِقْهِ، وَبَصِيرٌ بِمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ، قَالَ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْبَصِيرُ الْعَالِمُ، وَالْبَصِيرُ الْمُبْصِرُ. وَقِيلَ: وَصَفَ تَعَالَى نَفْسَهُ بِأَنَّهُ بَصِيرٌ عَلَى مَعْنَى جَاعِلِ الْأَشْيَاءِ الْمُبْصِرَةِ ذَوَاتِ إِبْصَارٍ، أَيْ مُدْرِكَةً لِلْمُبْصَرَاتِ بِمَا خَلَقَ لَهَا مِنَ الْآلَةِ الْمُدْرِكَةِ وَالْقُوَّةِ، فَاللَّهُ بَصِيرٌ بِعِبَادِهِ، أَيْ جَاعِلٌ عِبَادَهُ مُبْصِرِينَ.
(١). راجع ج ٧ ص ٣٩٨.(٢). راجع ج ١٦ ص ١١٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute