لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ السُّجُودَ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ السُّجُودِ إِلَى جِهَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ خَيْرٌ مِنَ السَّاجِدِ الْعَابِدِ وَهَذَا وَاضِحٌ. وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذَا. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا ما أعلمه الله كالأنبياء أو من أعلمه مَنْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَالْمُنَجِّمُونَ وَالْكُهَّانُ وَغَيْرُهُمْ كَذَبَةٌ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي" الْأَنْعَامِ «١» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ" الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ:" أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها" حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَالْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الزَّهْرَاوِيُّ: مَا أَبْدَوْهُ هُوَ بِدَارُهُمْ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ. (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْمُرَادُ مَا كَتَمَهُ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْمَعْصِيَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَجَاءَ" تَكْتُمُونَ" لِلْجَمَاعَةِ، وَالْكَاتِمُ وَاحِدٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ عَلَى تَجَوُّزِ الْعَرَبِ وَاتِّسَاعِهَا، كَمَا يُقَالُ لِقَوْمٍ قَدْ جَنَى سَفِيهٌ مِنْهُمْ: أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا. أَيْ مِنْكُمْ فَاعِلُهُ، وَهَذَا مَعَ قَصْدِ تَعْنِيفٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ «٢» " [الحجرات: ٤] وَإِنَّمَا نَادَاهُ مِنْهُمْ عُيَيْنَةُ، وَقِيلَ الْأَقْرَعُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِبْدَاءُ وَالْمَكْتُومُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْعُمُومِ فِي مَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِمْ وَظَوَاهِرِهِمْ أَجْمَعُ. وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونَ: كُنَّا عِنْدَ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ مَا الَّذِي كَتَمَتِ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ خَلْقًا عَجَبًا، وَكَأَنَّهُمْ دَخَلَهُمْ مِنْ ذلك شي، قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَسَرُّوا ذلك بينهم، [فقالوا «٣»: و] ما يُهِمُّكُمْ مِنْ هَذَا الْمَخْلُوقِ! إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا إِلَّا كُنَّا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ. و" ما" فِي قَوْلِهِ:" مَا تُبْدُونَ" يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِ"- أَعْلَمُ" عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى عَالِمٍ وَتَنْصِبَ بِهِ" مَا" فَيَكُونَ مثل حواج بيت الله، وقد تقدم «٤».
(١). راجع ج ٧ ص ٢(٢). راجع ج ١٦ ص ٣٠٩.(٣). زيادة عن تفسير الطبري. [ ..... ](٤). راجع ص ٢٧٨
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute