وَصَاحِبَاهُ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُضْطَجِعًا رَكْعَةً ثُمَّ صَحَّ: أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَلَوْ كَانَ قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ ثُمَّ صَحَّ بَنَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَبْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ صَارَ إِلَى حَدِّ الْإِيمَاءِ فَلْيَبْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوعَ وَلَا السُّجُودَ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ: إِنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا وَيُومِئُ إِلَى الرُّكُوعِ، فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ جَلَسَ وَأَوْمَأَ إِلَى السُّجُودِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ، أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يُصَلِّي قَاعِدًا. السَّابِعَةُ- وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّاقِدِ الصَّحِيحِ فَرُوِيَ عَنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِهِ، وَهِيَ" صَلَاةُ الرَّاقِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَاعِدِ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُجِيزُونَ النَّافِلَ مُضْطَجِعًا، وَهُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ إلا حسين المعلم وهو حسين ابن ذَكْوَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى حُسَيْنٍ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافًا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْهُ، وَإِنْ صَحَّ فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ، فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ أَجَازَ النَّافِلَةَ مُضْطَجِعًا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ أَوْ عَلَى الْقِيَامِ فَوَجْهُهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ. وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ رَاقِدًا لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ أَوِ الْقِيَامِ، فَحَدِيثُ حُسَيْنٍ هَذَا إِمَّا غَلَطٌ وَإِمَّا مَنْسُوخٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالآية الذين يستدلون بخلق السموات وَالْأَرْضِ عَلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُغَيِّرٍ، وَذَلِكَ الْمُغَيِّرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْكَمَالِ، وَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ الرُّسُلَ، فَإِنْ بَعَثَ رَسُولًا وَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِ بِمُعْجِزَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عُذْرٌ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد بينا معنى" يَذْكُرُونَ" وَهُوَ إِمَّا ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ وَإِمَّا الصَّلَاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، فَعَطَفَ تَعَالَى عِبَادَةً أُخْرَى عَلَى إِحْدَاهُمَا «١» بِعِبَادَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ التَّفَكُّرُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَخْلُوقَاتِهِ وَالْعِبَرِ الَّذِي بَثَّ «٢»، لِيَكُونَ ذَلِكَ أزيد بَصَائِرِهِمْ:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ على أنه واحد
(١). في اوج وب وهـ وى وط: بعبادة أخرى وهى الفكر.(٢). كذا في هـ وب ود وج وى. وفى أوح: نبه، وفى ز: ثبت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute