أَلَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ رَجَاءَنَا ... وَكُنْتَ بِنَا بَرًّا وَلَمْ تَكُ جَافِيَا
وَكُنْتَ رَحِيمًا هَادِيًا وَمُعَلِّمًا ... لِيَبْكِ عَلَيْكَ الْيَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيَا
لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِفَقْدِهِ ... وَلَكِنْ لِمَا أَخْشَى مِنَ الْهَرْجِ آتِيَا
كَأَنَّ عَلَى قَلْبِي لِذِكْرِ مُحَمَّدٍ ... وَمَا خِفْتُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ الْمَكَاوِيَا
أَفَاطِمَ صَلَّى اللَّهُ رَبُّ مُحَمَّدٍ ... عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيَا
فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أُمِّي وَخَالَتِي ... وَعَمِّي وَآبَائِي وَنَفْسِي وَمَالِيَا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليت الْعُودِ أَبْلَجَ صَافِيَا
فَلَوْ أَنَّ رَبَّ النَّاسِ أَبْقَى نَبِيَّنَا ... سَعِدْنَا، وَلَكِنْ أَمْرُهُ كَانَ مَاضِيَا
عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ السَّلَامُ تَحِيَّةً ... وَأُدْخِلْتَ جَنَّاتٍ من عدن رَاضِيَا
أَرَى حَسَنًا أَيْتَمْتَهُ وَتَرَكْتَهُ ... يُبَكِّي وَيَدْعُو جَدَّهُ الْيَوْمَ نَاعِيَا «١»
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- فَلِمَ أُخِّرَ دَفْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ لِأَهْلِ بَيْتٍ أَخَّرُوا دَفْنَ مَيِّتِهِمْ: (عَجِّلُوا دَفْنَ جِيفَتِكُمْ وَلَا تُؤَخِّرُوهَا). فَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ- مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَوْتِهِ. الثَّانِي- لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَيْثُ يَدْفِنُونَهُ. قَالَ قَوْمٌ فِي الْبَقِيعِ، وَقَالَ آخَرُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يُحْبَسُ حَتَّى يُحْمَلَ إِلَى أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ. حَتَّى قَالَ الْعَالِمُ الْأَكْبَرُ «٢»: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَا دُفِنَ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ) ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُمَا. الثَّالِثُ أَنَّهُمُ اشْتَغَلُوا بِالْخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي الْبَيْعَةِ، فَنَظَرُوا فِيهَا حَتَّى اسْتَتَبَّ الْأَمْرُ وَانْتَظَمَ الشَّمْلُ وَاسْتَوْثَقَتِ «٣» الْحَالُ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ فِي نِصَابِهَا فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ بَايَعُوهُ مِنَ الْغَدِ بَيْعَةً أُخْرَى عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرُوا فِي دَفْنِهِ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(١). في ج وب ود: نائيا.(٢). يريد به أبا بكر رضى الله عنه.(٣). في هـ: استوسقت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute