والربيع والسدي وأبي زَيْدٍ. وَقِيلَ: مِنْ غَضَبِهِمْ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ. كَانُوا قَدْ غَضِبُوا يَوْمَ أُحُدٍ لِيَوْمِ بَدْرٍ مِمَّا لَقُوا. وَأَصْلُ الْفَوْرِ الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَالْأَخْذُ فِيهِ بِجِدٍّ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَارَتِ الْقِدْرُ تَفُورُ فَوْرًا وَفَوَرَانًا إِذَا غَلَتْ. وَالْفَوْرُ الْغَلَيَانُ. وَفَارَ غَضَبُهُ إِذَا جَاشَ. وَفَعَلَهُ مِنْ فوره أي قبل أن يسكن. والفوراة مَا يَفُورُ مِنَ الْقِدْرِ. وَفِي التَّنْزِيلِ" وَفارَ التَّنُّورُ" [هود: ٤٠] «١». قَالَ الشَّاعِرُ:
تَفُورُ عَلَيْنَا قِدْرُهُمْ فَنُدِيمُهَا
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُسَوِّمِينَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَنَافِعٍ. أَيْ مُعَلَّمِينَ بِعَلَامَاتٍ. وَ" مُسَوِّمِينَ" بِكَسْرِ الْوَاوِ اسْمُ فَاعِلٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَعَاصِمٍ، فَيَحْتَمِلُ مِنَ الْمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ قَدْ أَعْلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَلَامَةٍ، وَأَعْلَمُوا خَيْلَهُمْ. وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: مُسَوِّمِينَ أَيْ مُرْسِلِينَ خَيْلَهُمْ، فِي الْغَارَةِ. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي" مُسَوِّمِينَ" بِفَتْحِ الْوَاوِ، أَيْ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْكُفَّارِ. وَقَالَهُ ابْنُ فُورَكَ أَيْضًا. وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى اخْتَلَفُوا فِي سِيمَا الْمَلَائِكَةِ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ اعْتَمَّتْ بِعَمَائِمَ بِيضٍ قَدْ أَرْسَلُوهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ عَنِ الزَّجَّاجِ. إِلَّا جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ كَانَ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ عَلَى مِثَالِ الزُّبَيْرِ بْنِ العوام، وقال ابْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: كَانَتْ سِيمَاهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ. قُلْتُ: ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُعَلَّمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ. فَقَوْلُهُ:" مُعَلَّمِينَ" دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَيْلَ الْبُلْقَ لَيْسَتِ السِّيمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ خَيْلُهُمْ مَجْزُوزَةَ الْأَذْنَابِ وَالْأَعْرَافِ مُعَلَّمَةَ النَّوَاصِي وَالْأَذْنَابِ بِالصُّوفِ وَالْعِهْنِ «٢». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَسَوَّمَتِ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ بِالصُّوفِ الْأَبْيَضِ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ وَأَذْنَابِهَا. وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي سِيمَا الزُّبَيْرِ عَلَيْهِمْ عمائم صفر مرخاة عَلَى أَكْتَافِهِمْ. وَقَالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ ابْنَا الزُّبَيْرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَتْ مُلَاءَةً صَفْرَاءَ اعْتَمَّ بِهَا الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قلت: ودلت الآية-
(١). راجع ج ٩ ص ٣٣. [ ..... ](٢). العهن: الصوف المصبوغ ألوانا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute