قَالَ الزَّجَّاجُ:" وَكَهْلًا" بِمَعْنَى وَيُكَلِّمُ النَّاسَ كَهْلًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى" وَجِيهاً". وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَيُكَلِّمُ النَّاسَ صَغِيرًا وَكَهْلًا. وَرَوَى ابن جريح عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْكَهْلُ الْحَلِيمُ. قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَإِنَّمَا الْكَهْلُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ نَاهَزَ الْأَرْبَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ لَهُ حَدَثٌ إِلَى سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. ثُمَّ شَابٌّ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. ثُمَّ يَكْتَهِلُ فِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) عَطْفٌ عَلَى" وَجِيهاً" أَيْ وَهُوَ مِنَ الْعُبَّادِ الصَّالِحِينَ. ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافَ. قَالَ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى وَصَاحِبُ يُوسُفَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، كَذَا قَالَ:" وَصَاحِبُ يُوسُفَ". وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَصَاحِبُ الْجَبَّارِ وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، بِطُولِهِ «١». وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي قِصَّةِ الأخدود (أن امرأة جئ بِهَا لِتُلْقَى فِي النَّارِ عَلَى إِيمَانِهَا وَمَعَهَا صَبِيٌّ). فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ (يَرْضَعُ فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ الْغُلَامُ يَا أُمَّهُ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ). وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ سِتَّةٌ: شَاهِدُ يُوسُفَ وَصَبِيُّ مَاشِطَةِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَعِيسَى وَيَحْيَى وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَصَاحِبُ الجبار. ولم يذكر الأخدود، فأسقط صاحب لاخدود وَبِهِ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُونَ سَبْعَةً. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ) بِالْحَصْرِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا كَانَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِهِ. قُلْتُ: أَمَّا صَاحِبُ يُوسُفَ فَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ جُرَيْجٍ وَصَاحِبُ الْجَبَّارِ وَصَاحِبُ الْأُخْدُودِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَسَتَأْتِي قِصَّةُ الْأُخْدُودِ فِي سُورَةِ" الْبُرُوجِ" «٢» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا صَبِيُّ مَاشِطَةِ [امْرَأَةِ] فِرْعَوْنَ، فَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِي سِرْتُ فِي رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ قالوا ماشطة
(١). راجع صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٧٦ طبع بولاق راجع ج ١٩.(٢). راجع ج ١٩ ص ٢٨٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute