دُونَ خَلْقِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَذَلِكَ مِثْلُ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالدَّجَّالِ وَعِيسَى، وَنَحْوِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. قُلْتُ: هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُتَشَابِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنِ الرَّبِيعِ بن خيثم إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، الْحَدِيثَ. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: الْمُحْكَمُ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: سُورَةُ الْإِخْلَاصِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التَّوْحِيدُ فقط. و [قد] قِيلَ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمٌ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ «١» ". وَقِيلَ: كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ، لِقَوْلِهِ:" كِتاباً مُتَشابِهاً" «٢». قُلْتُ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ في شي، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:" كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ" أَيْ فِي النَّظْمِ وَالرَّصْفِ وَأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَمَعْنَى" كِتَابًا مُتَشَابِهًا، أَيْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:" آياتٌ مُحْكَماتٌ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ" هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الْمُتَشَابِهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ بَابِ الِاحْتِمَالِ وَالِاشْتِبَاهِ، مِنْ قَوْلِهِ:" إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا" «٣» أَيِ الْتَبَسَ عَلَيْنَا، أَيْ يَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا. كَثِيرَةً مِنَ الْبَقَرِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُحْكَمِ مَا فِي مُقَابَلَةِ هَذَا، وَهُوَ مَا لَا الْتِبَاسَ فِيهِ وَلَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُتَشَابِهَ مَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا، ثُمَّ إِذَا رُدَّتِ الْوُجُوهُ إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَأُبْطِلَ الْبَاقِي صَارَ الْمُتَشَابِهُ مُحْكَمًا. فَالْمُحْكَمُ أَبَدًا أَصْلٌ تُرَدُّ إِلَيْهِ الْفُرُوعُ، وَالْمُتَشَابِهُ هُوَ الْفَرْعُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُحْكَمَاتُ هُوَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ" قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ" «٤» إِلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَقَوْلُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ:" وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً" «٥» ". قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا عِنْدِي مِثَالٌ أَعْطَاهُ فِي الْمُحْكَمَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْمُحْكَمَاتُ نَاسِخُهُ وَحَرَامُهُ وَفَرَائِضُهُ وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَيُعْمَلُ بِهِ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ الْمَنْسُوخَاتُ وَمُقَدَّمُهُ وَمُؤَخَّرُهُ وَأَمْثَالُهُ وَأَقْسَامُهُ وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ: الْمُحْكَمَاتُ النَّاسِخَاتُ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ الْمَنْسُوخَاتُ" وَقَالَهُ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: المحكمات هي التي فيها حجة الرب
(١). راجع ج ٩ ص ٢.(٢). راجع ج ١٥ ص ١٤٨.(٣). راجع ج ١ ص ٤٥١.(٤). راجع ج ٧ ص ١٣٠ فما بعد.(٥). راجع ج ١٠ ص ٢٤٨
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute