مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمَالِ، كَالشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ، حَتَّى لَا يُطْلَبَ مِنْ ثُبُوتِهَا إِلَّا الْمَالُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي قَبُولِهِ اخْتِلَافٌ، فَمَنْ رَاعَى الْمَالَ قَبِلَهُ كَمَا يَقْبَلُهُ فِي الْمَالِ، وَمَنْ رَاعَى الحال لم بقبلة. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يَشْهَدْنَ فِي الأموال. وكل مالا يَشْهَدْنَ فِيهِ فَلَا يَشْهَدْنَ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِنَّ فيه، كان معهن رجل أولم يَكُنْ، وَلَا يَنْقُلْنَ شَهَادَةً إِلَّا مَعَ رَجُلٍ نَقَلْنَ «١» عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَيُقْضَى بِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ في كل مالا يَحْضُرُهُ غَيْرُهُنَّ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَفِي بَعْضِهِ اخْتِلَافٌ. الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الصِّفَةِ لِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ مُخَاطَبَةٌ لِلْحُكَّامِ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا غَيْرُ نَبِيلٍ، وَإِنَّمَا الْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لَكِنِ الْمُتَلَبِّسَ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ إِنَّمَا هُمُ الْحُكَّامُ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعُمُّ الْخِطَابُ فِيمَا يَتَلَبَّسُ بِهِ الْبَعْضُ. الثَّانِيَةُ والثلاثون- لما قال والله تَعَالَى:" مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ" دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الشُّهُودِ مَنْ لَا يُرْضَى، فَيَجِيءُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا مَحْمُولِينَ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَثْبُتَ لَهُمْ، وَذَلِكَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مُسْلِمٍ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ فِسْقٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ عَدْلٌ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: هُمْ عُدُولُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا. قلت- فعمموا الحكم، ويلزم منه قبول قَبُولُ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ إِذَا كَانَ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِنَا وَأَهْلِ دِينِنَا. وَكَوْنُهُ بَدَوِيًّا كَكَوْنِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَالْعُمُومَاتُ فِي الْقُرْآنِ الدَّالَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ تُسَوِّي بَيْنَ الْبَدَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ" وَقَالَ تَعَالَى:" وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «٢» " فَ" مِنْكُمْ" خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا يَقْتَضِي قَطْعًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ زَائِدًا عَلَى الإسلام ضرورة، لان الصفة زائدة
(١). في هـ: يقلن.(٢). راجع ج ١٨ ص ١٥٧
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute