لِلْمُرْتَهِنِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى" وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ" رَدٌّ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ الرَّاهِنُ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرَّهْنَ بَدَلًا عَنِ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابِ، وَالشَّهَادَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ الْمَشْهُودِ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، فَإِذَا بَلَغَ قِيمَتَهُ فَلَا وَثِيقَةَ فِي الزِّيَادَةِ. قِيلَ لَهُ: الرَّهْنُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ تَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا رَهَنَ الشَّيْءَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. نَعَمْ لَا يَنْقُصُ الرَّهْنُ غَالِبًا عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ، فَأَمَّا أَنْ يُطَابِقَهُ فَلَا. وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ مَعَ الْيَمِينِ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ إِلَى أَنْ يُسَاوِيَ قِيمَةَ الرَّهْنِ. وَلَيْسَ الْعُرْفُ عَلَى ذَلِكَ فَرُبَّمَا نَقَصَ الدَّيْنُ عَنِ الرَّهْنِ وَهُوَ الْغَالِبُ، فَلَا حَاصِلَ لِقَوْلِهِمْ هَذَا. الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَلِيُّ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِقْرَارَهُ جَائِزٌ عَلَى يَتِيمِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَمْلَاهُ فَقَدْ نَفَذَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فِيمَا أَمْلَاهُ. الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ- وَتَصَرُّفُ السَّفِيهِ «١» الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ إِذْنِ وَلِيِّهِ فَاسِدٌ إِجْمَاعًا مَفْسُوخٌ أَبَدًا لَا يُوجِبُ حُكْمًا وَلَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا. فَإِنْ تَصَرَّفَ سَفِيهٌ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" النِّسَاءِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) الِاسْتِشْهَادُ طَلَبُ الشَّهَادَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَوْ نَدْبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَدْبٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (شَهِيدَيْنِ) رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الشَّهَادَةَ بِحِكْمَتِهِ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَالْحُدُودِ وَجَعَلَ فِي كُلِّ فَنٍّ شَهِيدَيْنِ إِلَّا فِي الزِّنَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ" «٢». وَشَهِيدٌ بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْ قَدْ شَهِدَ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَدَالَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ رِجالِكُمْ) نَصٌّ فِي رَفْضِ الْكُفَّارِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ فَاللَّفْظُ يَتَنَاوَلُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ الْأَحْرَارُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَطْنَبَ فِيهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَهَادَةِ الْعَبِيدِ، فَقَالَ شُرَيْحٌ وعثمان البتي وأحمد وإسحاق
(١). في ح وا: الصبى. والصواب ما أثبتناه من هـ وج.(٢). راجع ج ٥ ص ٣٩ وص ٨٣
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute