الْمُعْرِبَةِ عَنْهُ، لِلِاخْتِلَافِ الْمُتَوَهَّمِ بَيْنَ الْمُتَعَامِلَيْنِ، الْمُعَرِّفَةِ لِلْحَاكِمِ مَا يَحْكُمُ بِهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِهِمَا إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْعَاشِرَةُ- ذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّ كَتْبَ الدُّيُونِ وَاجِبٌ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَرْضٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ، بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا، لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ نِسْيَانٌ أَوْ جُحُودٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَنِ ادَّانَ فَلْيَكْتُبْ، وَمَنْ بَاعَ فَلْيُشْهِدْ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ" قَوْلَهُ فَإِنْ أَمِنَ" نَاسِخٌ لِأَمْرِهِ بِالْكَتْبِ. وَحَكَى نَحْوَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَذَهَبَ الرَّبِيعُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، ثُمَّ خَفَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:" فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً". وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْأَمْرُ بِالْكَتْبِ نَدْبٌ إِلَى حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَإِزَالَةِ الرَّيْبِ، وَإِذَا كَانَ الْغَرِيمُ تَقِيًّا فَمَا يَضُرُّهُ الْكِتَابُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْكِتَابُ ثَقَافٌ «١» فِي دِينِهِ وَحَاجَّةُ صَاحِبِ الْحَقِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ أَشْهَدْتُ فَحَزْمٌ، وَإِنِ ائْتَمَنْتُ فَفِي حِلٍّ وَسَعَةٍ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ. وَلَا يَتَرَتَّبُ نَسْخٌ فِي هَذَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَدَبَ إِلَى الْكِتَابِ فِيمَا لِلْمَرْءِ أَنْ يَهَبَهُ وَيَتْرُكَهُ بِإِجْمَاعٍ، فَنَدْبُهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْحَيْطَةِ لِلنَّاسِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يكتب، وقال الشَّعْبِيُّ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ كَاتِبٌ سِوَاهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ. السُّدِّيُّ: وَاجِبٌ مَعَ الْفَرَاغِ. وَحُذِفَتِ اللَّامُ مِنَ الْأَوَّلِ وَأُثْبِتَتْ فِي الثَّانِي، لِأَنَّ الثَّانِيَ غَائِبٌ وَالْأَوَّلَ لِلْمُخَاطَبِ. وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي الْمُخَاطَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَلْتَفْرَحُوا «٢» " بِالتَّاءِ. وَتُحْذَفُ فِي الْغَائِبِ، وَمِنْهُ: مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ شي تَبَالَا الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْعَدْلِ) أَيْ بِالْحَقِّ وَالْمَعْدِلَةِ، أَيْ لَا يَكْتُبْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ وَلَا أَقَلَّ. وَإِنَّمَا قَالَ" بَيْنَكُمْ" وَلَمْ يَقُلْ أَحَدَكُمْ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَتَّهِمُ فِي الْكِتَابَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَاتِبًا غَيْرَهُمَا يَكْتُبُ بِالْعَدْلِ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ وَلَا قَلَمِهِ مَوَادَّةٌ «٣» لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. وقيل: إن الناس لما كانوا يتعاملون
(١). ثقاف: فطنة وذكاء.(٢). راجع ج ٨ ص ٣٥٤.(٣). في هـ وج وا وط:" موادة".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute