بَدْرٍ:" كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ". وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ مَعَهُ النَّهَرَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ جُمْلَةً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ نُطِيقُ الْعَدُوَّ مَعَ كَثْرَتِهِمْ! فَقَالَ أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ:" كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ". قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا- وَفِي رِوَايَةٍ: وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا- وَمَا جَازَ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) وَالظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا لَا عِلْمًا، أَيْ قَالَ الَّذِينَ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ طَالُوتَ فَيَلْقَوْنَ اللَّهَ شُهَدَاءَ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْقَتْلِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) الْفِئَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَالْقِطْعَةُ مِنْهُمْ، مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ وَفَأْيَتُهُ أَيْ قَطَعْتُهُ. وَفِي قَوْلِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:" كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ" الْآيَةَ، تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ وَاسْتِشْعَارٌ لِلصَّبْرِ وَاقْتِدَاءٌ بِمَنْ صَدَّقَ رَبَّهُ. قُلْتُ: هَكَذَا يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ أَنْ نَفْعَلَ؟ لَكِنِ الْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ وَالنِّيَّاتُ الْفَاسِدَةُ مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْكَسِرَ الْعَدَدُ الْكَبِيرُ مِنَّا قُدَّامَ الْيَسِيرِ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا شَاهَدْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَلِكَ بما كسبت أيدينا! وفى البخاري: وقال أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ. وَفِيهِ مُسْنَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ". فَالْأَعْمَالُ فَاسِدَةٌ وَالضُّعَفَاءُ مُهْمَلُونَ وَالصَّبْرُ قَلِيلٌ وَالِاعْتِمَادُ ضَعِيفٌ وَالتَّقْوَى زَائِلَةٌ!. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ «١» " وَقَالَ:" وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا «٢» " وَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «٣» " وَقَالَ:" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ «٤» " وَقَالَ:" إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «٥» ". فَهَذِهِ أَسْبَابُ النَّصْرِ وَشُرُوطُهُ وَهِيَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِينَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَا أَصَابَنَا وَحَلَّ بِنَا! بَلْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا ذِكْرُهُ، وَلَا مِنَ الدِّينِ إِلَّا رَسْمُهُ لِظُهُورِ الْفَسَادِ وَلِكَثْرَةِ الطُّغْيَانِ وَقِلَّةِ الرَّشَادِ حَتَّى اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ شَرْقًا وَغَرْبًا بَرًّا وَبَحْرًا، وَعَمَّتِ الْفِتَنُ وَعَظُمَتِ الْمِحَنُ وَلَا عَاصِمَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ!.
(١). راجع ج ٤ ص ٣٢٢.(٢). راجع ج ٦ ص ١٢٧.(٣). راجع ج ١٠ ص ٢٠٢.(٤). راجع ج ١٢ ص ٧٢(٥). راجع ج ٨ ص ٢٣
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute