وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي (١)، قال أحمد: "كُنْتُ أتهيَّب ذلك، ثم تَبيَّنْتُ، فإذا الصلاة على النبي ﷺ واجبة". وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب.
وأما قولكم: الدليل (٢) على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه.
فجوابه: أن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع: إنها ليست بواجبة. فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرًا قَرْنًا بعد قَرْنٍ، وعصرًا بعد عصر على الصلاة على النبي ﷺ في آخر التشهد، وإمامهم ومأمومهم ومنفردهم، ومفترضهم ومتنفلهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي ﷺ في الصلاة؟ لقال: نعم. وحتى لو سَلَّم من غير صلاةٍ على النبي ﷺ وعلم المأمومون (٣) منه ذلك، لأنكروا ذلك (٤) عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم، فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم ما كان أحد منهم قط
(١) انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (٣/ ٥٤٨). (٢) في (ب) (إن الدليل). (٣) في (ب) (المأمون منه) وهو خطأ. (٤) من (ح) فقط.