ومما يزيدنا يقيناً بكون الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج: أن أكثر الحفاظ عَلَى تضعيف روايته عن الزهري مطلقاً، فَقَالَ أبو زرعة الرازي:((أخبرني بعض أصحابنا، عن قريش بن أنس (١) ، عن ابن جريج، قَالَ: ما سَمِعْتُ من الزهري شيئاً، إنما أعطاني الزهري جزءاً فكتبته وأجازه)) (٢) . وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان:((كَانَ ابن جريج لا يصحح أنه سَمِعَ من الزهري شَيْئاً. قَالَ – يعني الفلاس (٣) - فجهدت بِهِ في حَدِيْث
((إن ناساً من اليهود غزوا مع رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - فأسهم لَهُمْ)) ، فَلَمْ يصحح أنه سَمِعَ من الزهري)) (٤) . وَقَالَ ابن معين:((ليس بشيء في الزهري)) (٥) . ونقل ابن محرز عن ابن معين أنه قَالَ:((كَانَ يحيى بن سعيد لا يوثقه في الزهري)) (٦) .
ومما تجدر الإشارة إِلَيْهِ أن أكثر الحفاظ يرون أن الزهري نفسه أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث، إذ خالف جمهور الرُّوَاة عن أنس في لفظ الْحَدِيْث عَلَى النحو الآتي:
(١) قريش بن أنس الأنصاري، وَقِيْلَ: الأموي، أبو أنس من أهل البصرة، مات سنة (٢٠٨ هـ) وَقِيْلَ: (٢٠٩ هـ) ، قَالَ ابن حبان: كَانَ شيخاً صدوقاً إلا أنه اختلط في آخر عمره. المجروحين ٢/٢٢٣ و ٢٢٤، وتهذيب الكمال ٦/١١٨ (٥٤٦٢) ، وتاريخ الإِسْلاَم: ٣٠٠ وفيات سنة (٢٠٨ هـ) . (٢) الجرح والتعديل ٥/٣٥٧-٣٥٨ (١٦٨٧) . (٣) هُوَ الحافظ الناقد أبو حفص عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الباهلي البصري الصيرفي الفلاس، ولد سنة نيف وستين ومئة، وتوفي سنة (٢٤٩ هـ) . الجرح والتعديل ٦/٢٤٩، وسير أعلام النبلاء ١١/٤٧٠ و ٤٧٢، والعبر ١/٤٥٤. (٤) تقدمة الجرح والتعديل: ٢٤٥. (٥) تاريخ يحيى بن معين – رِوَايَة الدارمي -: (١٣) . (٦) سؤالات ابن محرز ١/٥٥٤.