قوله: "وَالْصِّبَا مِنَ الصِّغَرِ" (١).
ط: "قَالَ بَعْدَ هَذَا بِأَلْفَاظ يَسِيرَةٍ، وَالْعِدَا، الْأَعْدَاءُ مَقْصُورٌ بِالْأَلِفِ (٢)، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصِّبَا وَالْعِدا فِي الْقِياسِ لِأَنَّهُمَا كِلَيْهِمَا مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ يُقَالُ: صَبَا يَصْبُو، وَعَدَا يَعْدُو، فَقِيَاسُهُمَا أَنْ يُكْتَبَا بِالْأَلِفِ.
وَقَدْ خَلَّطَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ بَيْنَ مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، فَأَخَذَ في الصِّبَا بِمَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَفِي الْعِدَا بِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّ الاِسْمَ الثُّلَاثِيَ الْمَفْتُوحَ الْأَوَّلِ نَحْوَ: الصَّفَا وَالْفَتَى، يُنْظَرُ إِلَى أَصْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ كُتِبَ بِالْأَلِفِ، وَإِنْ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ كُتِبَ بِالْيَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الثُّلَاثِيِّ الْمَكْسُورِ الْأَوَّلِ وَالْمَضْمُومِهِ.
فَالْبَصْرِيُّونَ يُجْرُونَ ذَلِكَ مَجْرَى الْمَفْتُوحِ الْأَوَّلِ، وَالْكُوفِيُونَ يَكْتُبُونَ كُلَّ تُلَاثِيٍّ مَكْسُورِ الْأَوَّلِ وَمَضْمُومِهِ بِالْيَاءِ، وَلَا يُرَاعُونَ أَصْلَهُ وَلَيْسَتْ بِأَيْدِيهِمْ حُجَّةٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُثَنِّي كُلَّ اسْمٍ ثُلَاثِيِّ مَضْمُومِ الْأَوَّلِ أَوْ مَكْسُورِهِ بِالْيَاءِ إِلَّا الْحِمَى وَالرِّضَى، فَإِنِّي سَمَعْتُهُمْ يَقُولُونَ: حِمَوَانِ، وَحِمَيَانِ، وَرِضَوَانِ وَرِضَيَانِ. وَاحْتَجَّ قَوْمٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ بِالْكَسْرِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْكَسْرُ يُوجِبُ التَّثْنِيَةَ بِالْبَاءِ لَمْ يَكُنِ الْهُدَى وَالضُّحَى بِالْيَاءِ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَلَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: هُدَوَانِ وَضُحَوَانِ، فَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنْ يُجْرَى مَجْرَى الْمَفْتُوحِ، وَالْأَوْلَى فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ إِلَى أَصْلِهِ، وَلَوْ كَانَتِ الْعَرَبُ تُثَنِّي كُلَّ مَضْمُومٍ وَمَكْسُورٍ بِالْيَاءِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ.
وَإِنْ كَانَ الْكَسَائِيُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ ذلِكَ حُجَّةً وَقِياسًا عَلَى سَائِرِهِمْ.
وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَرَى أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ هَذَا بِالْأَلِفِ حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ،
(١) أدب الكتاب: ٣٠٠، "الصبا".(٢) أدب الكتاب: ٣٠١، "مقصور بالياء"، ولعل البطليوسي وهم في ذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute