قوله:"فقُلتُ له: قد قُلتُه": في الكَلام اقتضَابٌ يدُلّ عليه السّياق، أي:"فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقال لي: أنت قُلته؟ فقال عبد الله: قد قُلته". (١)
قوله:"بأبي أنت وأمّي": حرفُ الجر يتعلّق بمحْذُوف، تقديره:"أفديك بأبي"(٢)، وتكُون "أنت"[تأكيدًا](٣) للكَاف في "أفديك". و"أمّي" معطوفٌ على "أبي".
ويجوز أن تكون "أنت" مُبتدأ، والخبرُ في جُملة "أفْديك" مُتقَدّم محذُوف، أي:"أنتَ أفْديك بأَبي". وهَذا مِن كَمال حُسْن الأدَب عِنْد خِطَاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقَدّم الأب على الأُم؛ لأنّ تعَلّق الوَلَد بوَالِده وتوَقّعه لنُصْرَته لا يُوجَد في الأُم. والعَرَبُ تقَدّم عند الخطاب هَذَا ومثله؛ استعطافًا واستجلابًا وتَوْطِئَةً.
فإنْ قُلْت: فقَد قَدّم قُبيل هَذا "قد قُلتُه يَا رَسُولَ الله"، ولم يَذكُر "بأبي أنْتَ وأُمّي". فالجوَاب: أنّه آثَرَ سُرعَة [إجابة](٦) النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما سَأَل عنْه، [ثُم](٧) أتَى بما
(١) سبق أنّ أكثر نُسخ متن "عُمدة الأحكام" فيها: "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟ ". والله أعلم. (٢) انظر: الزاهِر في مَعاني كَلمات النّاس، لأبي بكر الأنباري، (١/ ١٦٢). (٣) بالنسخ: "تأكيد". (٤) وكذا ورَدَت في سورة [غافر: ٨] وسورة [الممتحنة: ٥]. (٥) انظر: البحر المحيط (١/ ٦٢٥)، شرح المفصل (٢/ ٢٢٥)، توضيح المقاصد والمسالك (٢/ ٩٨٦)، أوضح المسالك (٣/ ٣٦٨)، الصبان (٣/ ١٢٣)، همع الهوامع (١/ ٢٧٨)، (٣/ ١٨٢)، النحو الوافي (٣/ ٤٣٦). (٦) سقط من النسخ. ولعل الصّواب المثبت. (٧) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).