للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون" (١).

وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء (٢)، وكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة وغير واحد في تفسير هذه الآية (٣).

وأما الحديث الذي رواه ابن جرير ههنا من حديث الليث بن سعد، عن زيادة، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء، عن رسول الله فذكر حديث النزول، وأنه تعالى يقول: من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطيه، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر، فلذلك يقول: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ فيشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار، فإنه (٤) تفرد به زيادة، وله بهذا حديث في سنن أبي داود (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: "صلاة الليل" (٦). ولهذا أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد ما كان بعد النوم. قاله علقمة والأسود وإبراهيم النخعي وغير (٧) واحد، وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله أنه كان يتهجد بعد نومه، عن ابن عباس وعائشة (٨) وغير واحد من الصحابة ، كما هو مبسوط في موضعه، ولله الحمد والمنة.

وقال الحسن البصري: هو ما كان بعد العشاء (٩). ويحمل على ما كان بعد النوم، واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿نَافِلَةً لَكَ﴾ فقيل: معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك، فجعلوا قيام الليل واجبًا في حقه دون الأمة، رواه العوفي عن ابن عباس (١٠)، وهو أحد قولي العلماء، وأحد قولي الشافعي ، واختاره ابن جرير.

وقيل: إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص؛ لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره من أمته إنما يكفر عنه صلواته النوافل الذنوب التي عليه. قال مجاهد (١١): وهو


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الرعد آية ١١.
(٢) أخرجه الطبري والطبراني (المعجم الكبير ٩/ ٢٦٥ ح ٩١٣٩) من عدة طرق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، ويشهد له ما تقدم في الصحيح من حديث أبي هريرة قبل روايتين.
(٣) قول إبراهيم النخعي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الأعمش عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف زيادة بن محمد فهو منكر الحديث (التقريب ص ٢١١).
(٥) السنن، الطب، باب كيفية الرقى؟ (ح ٣٨٩٢) وحكمه كسابقه.
(٦) صحيح مسلم، الصيام، باب فضل صوم المحرم (ح ١١٦٣).
(٧) قول علقمة والأسود أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر.
(٨) أخرجه البخاري من طريق الأسود عن عائشة قالت: كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه … (الصحيح، التهجد، باب من نام أول الليل وأحيى آخره ح ١١٤٦).
(٩) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق هشام عن الحسن.
(١٠) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(١١) ذكره الحافظ ابن حجر ونسبه إلى الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد وحسَّن سنده (فتح الباري ٣/ ٣)، وقول مجاهد أخرجه الطبري والبيهقي (دلائل النبوة ٥/ ٤٨٧) كلاهما من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد.