وقوله: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ أي: افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقامًا محمودًا، يحمدك في الخلائق كلهم وخالقهم ﵎.
قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك هو المقام الذي يقومه محمد ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم (٢).
ذكر من قال ذلك:
حدثنا [ابن بشار](٣)، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صِلة بن زُفَر، عن حذيفة قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قيامًا لا تكلم نفس إلا بإذنه، ينادي: يا محمد، فيقول:"لبيك وسعديك، والخير في يديك والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ومنك وإليك لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت" فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله ﷿(٤).
ثم رواه عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق به (٥)، وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، والثوري، عن أبي إسحاق به (٦)، وقال ابن عباس: هذا المقام المحمود مقام الشفاعة (٧)، وكذا قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد (٨)، وقاله الحسن البصري (٩).
وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال الله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ (١٠).
قلت: لرسول الله ﷺ تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض ويبعث راكبًا إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر واردًا منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعد ما تسأل الناس آدم ثم نوحًا ثم إبراهيم ثم موسى ثم
(١) أخرجه الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب عن أبي أُمامة قال: إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله ﷺ. وضعفه محققوه لضعف شهر بن حوشب (المسند ٣٦/ ٥٤٤ ح ٢٢٢١٠). (٢) ذكره الطبري بلفظه. (٣) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل صُحِّف إلى: "يسار". (٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الحاكم من طريق سفيان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٦٣)، وقال الهيثمي: رواه البزار موقوفًا ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/ ٣٨٠) ورجح أبو حاتم وقفه (العلل ٢/ ٢١٧) وكذا أخرجه النسائي في السنن الكبرى التفسير، باب قوله تعالى: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] (ح ١١٢٩٤) وصحح سنده الحافظ ابن حجر (فتح الباري ٨/ ٣٩٩، ٤٠٠). (٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وحكمه كسابقه. (٦) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق به. (٧) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه رشدين وهو ضعيف، ويتقوى بالشواهد التي سيأتي سردها عن جمع من الصحابة ﵃. (٨) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به. (٩) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف الأعرابي عن الحسن. (١٠) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لكنه مرسل.