ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد، عن الحكم بن بشير: حدثنا عمرو بن قيس، عن ابن أبي ليلى، عن رجل، عن جابر بن عبد الله قال: دعوت رسول الله ﷺ ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي ﷺ فقال:"اخرج يا أبا بكر، فهذا حين دلكت الشمس"(١). ثم رواه عن سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن [نبيح](٢) العَنزي، عن جابر، عن رسول الله ﷺ نحوه (٣)، فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس فمن قوله: ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ وهو ظلامه، وقيل غروب الشمس، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وقوله: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ يعني: صلاة الفجر، وقد ثبتت السنة عن رسول الله ﷺ تواترًا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفًا عن سلف وقرنًا بعد قرن، كما هو مقرر في مواضعه، ولله الحمد.
﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ قال الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة ﵁، عن النبي ﷺ في هذه الآية ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (٤).
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال:"فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر" يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (٥).
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، عن النبي ﷺ، وحدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قوله: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ قال: "تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار"(٦)، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، ثلاثتهم عن عبيد بن [أسباط](٧) بن محمد، عن أبيه به، وقال الترمذي: حسن صحيح (٨).
وفي لفظ في الصحيحين من طريق مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي؟
(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لإبهام الراوي عن جابر ولكنه توبع في الرواية السابقة. (٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل غير منقوط. (٣) أخرجه الطبري عن محمد بن عمارة الرازي عن سهل به، وهذا السند مع الذي قبله يقوى أحدهما الآخر. (٤) أخرجه ابن ماجه من طريق الأعمش به (السنن، الصلاة، باب وقت صلاة الفجر ح ٦٧٠) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٥٤٤). (٥) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ (ح ٤٧١٧). (٦) المسند ٤/ ٤٧٤، وتقدم الحكم على صحته في رواية ابن ماجه قبل السابقة. (٧) كذا في (ح) و (حم) والتخريج، وفي الأصل صُحِّف إلى: "إسباد". (٨) سنن الترمذي، تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل (ح ٣١٣٥)، والسنن الكبرى للنسائي، التفسير، باب قوله تعالى: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] (ح ١١٢٩٣)، وحكمه كسابقه.