هل هذا المناوئ يقول بما يقولون به؟ وهل تابعهم في تعريفهم لهذا التوحيد؟ أما أنه يردد كلامهم ولا يعرف معناه؛ وإلا فقد قال الباقلاني ﵀ في معنى التوحيد:"والتوحيد له هو: الإقرار بأنه ثابت موجود وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء"(١). وقال أيضاً في مسألة وحدانية الله:"ومعنى ذلك: أنه ليس معه إله سواه ولا من يستحق العبادة إلا إياه"(٢). وممن صرح به من المتأخرين: الباجوري ﵀، حيث قال معرفاً للتوحيد:"وهو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته والتصديق بها ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً"(٣).
وهذا يؤكد أنهم كانوا يعرفون ما يجهله كثير من الناس في هذا الزمان - ومنهم هذا المناوئ- من أن الدعاء والرغبة والرهبة والرجاء والخوف وغيرها من الأعمال كلها لله تعالى.
سادسا: قول الكاتب: "إن الأشاعرة لم يدرجوا مسائل القبور في كتب العقائد ولم يجعلوها من الشرك، وقد أصابوا في ذلك؛ لأن هذه المسائل هي مسائل فقهية فموضعها كتب الفقه التي تبين الحلال من الحرام … ".
فإن الحكم الشرعي في المسألة لا يختلف بإختلاف تصنيفها سواء وضعت في الفقه أو العقيدة؛ فالرسول ﷺ قال:«من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال، قال: ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله»(٤). فهذا حكمه ﷺ على الفعل، ولا يتغير الحكم بأن جعلناه في المعاملات أو العقائد أو العبادات. وسيأتي الكلام عنها - إن شاء الله تعالى- في الدعوى الثامنة عشر من هذا الفصل.
(١) الإنصاف للباقلاني: ٣٤. (٢) المصدر السابق: ٤٩. (٣) تحفة المريد للباجوري: ١٠. (٤) صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب: من حلف بملة سوى ملة الإسلام، رقم: ٦٦٥٢.